أو لهب السعير، ويحذرونا صولة الدهر، وفحش تقب الليالي والأيام، فلا نركن إليها أبدا، ولا تغتر منها بمحالات الأحلام والآمال، ولا نخدع بزور الأماني الطوال، ثم إنهم - عليهم الصلاة والسلام - أناروا القلوب، وشرحوا الصدور، وأوضحوا بأن من لم يبتل فهو عند الله مبغوض، فقد جاء عنهم عليهم السلام " إذا رأيت ربك يوالي عليك البلاء فاشكره، وإذا رأيته يتابع عليك النعم فاحذره " 1، والله سبحانه يتعاهد عباده المؤمنين بالبلاء، كما يتعاهد المسافر عياله بأنواع الهدايا والطرف - كما جاء في الخبر - 2، ولولا أن يرتاب بعض ضعاف النفوس لجعل الله " لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون " 3 ولهذا خص الآخرة خالصة للمؤمنين " قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة " 4، وأما الدنيا فهم فيها مبتلون، ليسمع دعاء أحبائه حين يمسون وحين يصبحون، وفي خلواتهم - مع حبيبهم - يتناجون، وبالاسحار هم يستغفرون، ولذا جعل سبحانه الفقر - مثلا - بمنزلة الشهادة، كما ورد عن أهل بيت العصمة عليهم السلام: " ولا يعطيه من عباده إلا من أحب " 5 ثم " إن الرجل منهم ليشفع لمثل ربيعة ومضر " 6 لما صبروا وشكروا، لما زرعوا للآخرة من الباقيات الصالحات فحصدوا ما بذروا " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا.. " 7.
وفي الخبر 8 أن النبي صلى الله عليه وآله رأى فاطمة الزهراء عليها السلام " وعليها كساء من أجلة الإبل، وهي تطحن بيديها، وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة، فقالت: يا رسول الله، الحمد لله على نعمائه، والشكر لله على آلائه، فأنزل الله سبحانه:
" ولسوف يعطيك ربك فترضى " 9.
فمن جعلت الدنيا سجنه، كانت الآخرة جنته، ولهذا ورد في الخبر أن آخر من يدخل الجنة من الأنبياء سليمان، لما أعطي في الدنيا من النعيم والملك العظيم 10، بينما