كتاب التمحيص - محمد بن همام الإسكافي - الصفحة ٤
أنهم لما يصابون من مصائب صابرون، وبما يرميهم الأعداء من نوائب قانعون، بل فرحون بما آتاهم الله من فضله وهم يستبشرون، وللجنة يشتاقون، لما تكشفت في قلوبهم حقائق الايمان، وتجلت لهم بدائع آيات الرحمن، وما أعدلهم من الخيرات في الجنان، فالدنيا للمؤمنين ليست بدار بقاء ومقام، إنما دار تمحيص وامتحان " أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " 1.
فكلما كانت البلوى والاختبار أعظم، كانت المثوبة والجزاء أجزل، ألم يأت عن الرسول صلى الله عليه وآله: " ما أوذي أحد مثل ما أوذيت " 2 وورد عن الصادق عليه السلام: " إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل " 3 من الأوصياء والأولياء، الذين نزلت أنفسهم منهم في البلاء، كما نزلت في الرخاء، فهم بالغنى غير فرحين، وبالفقر غير مغتمين.
ثم إن البلاء على أنواع وأحوال، فمرة يكون للعقاب والنكال لما اقترفه المرء من الموبقات، فيبتلى بالأمراض والعاهات، أو تلف الأهل والأولاد، وجار سوء وتنغيص اللذات، أو تسلط سلطان فيفرق الأحباب ويشتت الجماعات، قال أمير المؤمنين عليه السلام: " إن الله يبتلي عباده عند الاعمال السيئة بنقص الثمرات، وحبس البركات، وإغلاق خزائن الخيرات... " 4 مشيرا إلى ما ورد في الذكر الحكيم: " ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات.. " 5 أوفي قوله سبحانه: " ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات.. " 6 وهذا ديدن الدنيا، فكم جمحت بطالبها وأردت راكبها، وخانت الواثق بها، وأزعجت المطمئن إليها، فلا تدوم أحوالها، ولا يسلم نزالها، فجمعها إلى انصداع، ووصلها إلى انقطاع.
ومرة يكون البلاء تمحيصا للذنوب ورفعا للدرجات " وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين " 7 وقد قال الإمام علي عليه السلام: " الحمد لله الذي جعل تمحيص

(١) العنكبوت ٢٩ / ٢، ٣ (٢) كنز العمال ح ٥٨١٨ (٣) الكافي ٢ / ٢٥٢ ح ١، البحار ٦٧ / ٢٠٠ ح ٣ (٤) نهج البلاغة ص ١٩٩ ط ١٤٤، تفسير نور الثقلين ١ / 120 ح 448 (5) البقرة 2 / 155 (6) الأعراف 7 / 130
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست