كتاب التمحيص - محمد بن همام الإسكافي - الصفحة ٥
ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنتهم، لتسلم بها طاعاتهم ويستحقوا عليها ثوابها " 1.
وقال أيضا: " ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبدهم بأنواع المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجا للتكبر من قلوبهم، وإسكانا للتذلل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبوابا إلى فضله " 2.
ولهذا استخلص الجليل سبحانه المؤمنين للآخرة، واختار لهم الجزيل مما لديه من النعيم المقيم، الذي لا زوال له ولا اضمحلال، لصبرهم على البلاء، ورضاهم بالقضاء، وشكرهم النعماء، إذا أن الصبر أول درجات الايمان، فإذا ترقى العبد في إيمانه بلغ منزلة الرضا بالقضاء، وإذا ازداد في سلم الايمان علوا وسموا وصعودا، أصبح شاكرا لربه على البلاء، فالأولياء الصالحون لن يكونوا مؤمنين إلا كما وصفهم الإمام الكاظم عليه السلام مخاطبا: " حتى تعدوا البلاء نعمة، والرخاء مصيبة، وذلك أن الصبر عند البلاء أعظم من الغفلة عند الرخاء " 3، وهذه منزلة من خبر الدنيا وعرف أحوالها، فعلم أنها سوق، ربح فيها قوم يبتغون فيما آتاهم الله الدار الآخرة، وخسر آخرون ممن كانوا " يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون " ف‍ " لما الدنيا والآخرة إلا ككفتي ميزان، فأيهما رجح ذهب بالآخر " 5 أو كما جاء عن الهداة عليهم السلام " إن الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان، وسبيلان مختلفان فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها، وهما بمنزلة المشرق والمغرب... كلما قرب من واحد بعد عن الآخر " 6 فلا يستقيم حبهما في قلب مؤمن كما لا يستقيم الماء والنار في إناء واحد.
ولهذا كان الإمام الباقر عليه السلام يدعو بهذا الدعاء: " ولا تجعل الدنيا علي سجنا، ولا تجعل فراقها علي حزنا " 7.
فكان الأئمة الميامين سلام الله عليهم أجمعين، دائما يرشدونا - بهديهم وسنتهم وأقوالهم وأفعالهم - لواضح الطريق لئلا نزل بأوزار المسير، فنسقط في رمضاء الهجير

(1) البحار 67 / 232 ح 48 (2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 13 / 157 (3) البحار 67 / 237، ج 82 / 145 ح 30 وفيه (أفضل من الغفلة) (4) الروم 30 / 7 (5) البحار 73 / 92 ح 69 (6) البحار 73 / 129 ح 133 (7) البحار 97 / 379
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست