أو كان مختل العدالة بوجه من الوجوه لم تجب الجمعة ولم تشرع، ونحو هذه الأقوال التي ليس عليها أثارة من علم ولا يوجد في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حرف واحد يدل على ما ادعوه من كون هذه الأمور المذكورة شروطا لصحة الجمعة أو فرضا من فرائضها أو ركنا من أركانها. فيا لله للعجب مما فعل الرأي بأهله، وما يخرج من رؤوسهم من الخزعبلات الشبيهة بما يتحدث الناس به في مجامعهم وما يخبرونه في أسمارهم من القصص والأحاديث الملفقة وهي عن الشريعة المطهرة بمعزل، يعرف هذا كل عارف بالكتاب والسنة وكل متصف بصفة الانصاف وكل من ثبت قدمه ولم يتزلزل عن طريق الحق بالقيل والقال، ومن جاء بالغلط فغلطه رد عليه مردود في وجهه. والحكم بين العباد هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا) (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما). فهذه الآيات ونحوها تدل أبلغ دلالة وتفيد أعظم فائدة أن المرجع مع الاختلاف هو حكم الله ورسوله.
وحكم الله هو كتابه، وحكم رسوله بعد أن قبضه الله تعالى هو سنته ليس غير ذلك، ولم يجعل الله تعالى لاحد من العباد وإن بلغ في العلم أعلى مبلغ وجمع منه ما لا يجمع غيره أن يقول في هذه الشريعة بشئ لا دليل عليه من كتاب ولا سنة. والمجتهد، وإن جاءت الرخصة له بالعمل برأيه عند عدم الدليل، فلا رخصة لغيره أن يأخذ بذلك الرأي كائنا من كان. وإني، كما علم الله، لا أزال أكثر التعجب من وقوع مثل هذا للمصنفين وتصديره في كتب الهداية وأمر العوام والمقصرين باعتقاده والعمل به وهو على شفا جرف هار، ولم يختص بمذهب من المذاهب ولا بقطر من الأقطار ولا بعصر من العصور: بل تبع فيه الاخر الأول كأنه أخذه من أم الكتاب وهو حديث خرافة. وقد كثرت التعيينات في هذه العبادة كما سبقت الإشارة إليها بلا برهان ولا قرآن ولا شرع ولا عقل.