الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه، وذكر الجنة والنار وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته وما أعد لأعدائه وأهل معصيته فيملأ القلوب من خطبته إيمانا وتوحيدا ومعرفة بالله وأيامه، لا كخطب غيره التي إنما تفيد أمورا مشتركة بين الخلائق، وهي النوح على الحياة والتخويف بالموت فإن هذا أمر لا يحصل في القلب إيمانا بالله ولا توحيدا له ولا معرفة خاصة ولا تذكيرا بأيامه ولا بعثا للنفوس على محبته والشوق إلى لقائه، فيخرج السامعون ولم يستفيدوا فائدة غير أنهم يموتون وتقسم أموالهم ويبلي التراب أجسامهم، فيا ليت شعري أي إيمان حصل بهذا وأي توحيد وعلم نافع يحصل به؟! ومن تأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم وخطب أصحابه وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد وذكر صفات الرب جل جلاله وأصول الايمان الكلية والدعوة إلى الله وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه، وأيامه التي تخوفهم من بأسه والامر بذكره، وشكره الذي يحببهم إليه فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحببه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه فينصرف السامعون قد أحبوه وأحبهم.
ثم طال العهد وخفي نور النبوة وصارت الشرائع والأوامر رسوما تقوم من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها، فأعطوها صورها وزينوها بما، زينوها به فجعلوا الرسوم والأوضاع سننا لا ينبغي الاخلال بها وأخلوا بالمقاصد التي لا ينبغي الاخلال بها فرصعوا الخطب بالتسجيع والفقر وعلم البديع، فنقص، بل عدم حظ القلوب منها وفات المقصود بها.
قطع الامام الخطبة للامر يحدث:
وعن أبي بريدة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال (صدق الله ورسوله، إنما أموالكم وأولادكم فتنة، نظرت هذين الصبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما) رواه الخمسة.
وعن أبي رفاعة العدوي رضي الله عنه قال: (انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقلت: يا رسول الله: رجل غريب يسأل عن دينه لا يدري ما دينه؟ فأقبل علي وترك خطبته حتى انتهى إلي فأتى بكرسي من خشب