مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي - الصفحة ٢٤٧
فصل (آل محمد الاسم الأعظم) ثم أقول له مرشدا إلى الصواب: ألم تعلم أنا إذا اعتبرنا الأسماء والصفات، فإنا لا نجد أعظم من ثلاثة أسماء: اسم الذات، واسم الصفات، واسم هو سر الذات وروح الصفات، وهي الكلمة الجارية في سائر الموجودات، فهي سر الذات وسر الصفات وبها تنفعل الكائنات، فاسم الله ا ل ه‍ ا ل ه‍ وهو اسم المقدس وهو علم على ذات الأحد الحق، واسم الصفات للأحد الواحد وهو محمد، والاسم الذي هو روح الصفات وسر الذات ع ل ي، وهو نور النور، وكل واحد من هذه الثلاثة اسم أعظم، فاسم الجلالة هو الاسم المقدس والمكرم، واسم محمد صلى الله عليه وآله هو ظاهر الاسم الأعظم، لأن الواحد صورة الوجود، ومنبع الموجود، وظاهر المعدود.
واسم ع ل ي ظاهر الباطن وباطن الظاهر، فهو الاسم الأعظم بالحقيقة، لأنه جامع سر الربوبية، وسر النبوة، وسر الولاية، وسر الحكم والسلطنة، وسر الجبروت والعظمة، وسر التصرف الإلهي.
وإليه الإشارة بقوله: ﴿وله المثل الأعلى في السماوات والأرض﴾ (1)، وهو علي عليه السلام، وبيان ذلك أنك إذا قلت: ا ل م تضمن بكل حرف منها محمد وعلي عليهما السلام، وإذا قلت الله فإنه علم على ذات المعبود واجب الوجود، وإذا قلت: يا الله، فالياء ناديت، والاسم ناجيت، والمعنى عنيت، فهو اسم الذات المقدسة، أو إذا أشبعت ضمة الهاء منه برزت الذات وفي طي حروفه اسم علي، فهو يشير بالمعنى إلى ذات الرب المعبود، وبالحروف إلى الكلمة التي قام بها الوجود، إذا قلت: لا إله إلا هو، وهي حروف التنزيه والنفي والأثبات وهي عشرة.
وإليها الإشارة بقوله: تلك عشرة كاملة (2) ومعناها أنه لا إله في الوجود الواجب حي موجود لذاته قادر عالم مستحق للعبادة إلا الله، ثم إن أعداد حروفها يتضمن اسم علي ظاهرا وباطنا، ومعناه: الله لا إله إلا الله، علي سره الخفي، وأمينه الولي، ونوره المشهور في السماوات والأرض. (3)

(١) الروم: ٢٧.
(٢) المطففين: ١٩٦.
(٣) وعلى هذا يحمل حديث النبي ص: (بعث علي مع كل نبي سرا وبعث معي جهرا) (شرح دعاء الجوشن: ١٠٤، وجامع الأسرار: ٣٨٢ - ٤٠١ ح ٧٦٣ - ٨٠٤، والمراقبات: ٢٥٩). وروي بلفظ: (يا علي إن الله تعالى قال لي: يا محمد بعثت عليا مع الأنبياء باطنا ومعك ظاهرا) ثم قال صاحب كتاب القدسيات: وصرح بهذا المعنى في قوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبي بعدي: ليعلموا أن باب النبوة قد ختم وباب الولاية قد فتح (الأنوار النعمانية: ١ / ٣٠) أقول: يوجه كلام صاحب كتاب القدسيات: أن باب الولاية كان موجودا مع كل نبي سرا، إلا أنه لم يفتح ظاهرا، فكان الأنبياء جميعا يستفيدون من هذا السر الولائي إلى أن وصل إلى النبي الأعظم ص فظهر هذا السر إلى العلن.
* ويؤيد ذلك: - ما روي عن أبي محمد العسكري عليه السلام قال: (فنحن السنام الأعظم وفينا النبوة والولاية والكرم، ونحن منار الهدى والعروة الوثقى، والأنبياء كانوا يقتبسون من أنوارنا ويقتفون آثارنا) (بحار الأنوار : ٢٦ / ٢٦٤ باب جوامع مناقبهم ح ٤٩، ومشارق الأنوار اليقين: ٤٩) فهذا صريح في أن أنوار محمد وأل محمد عليهم السلام كانت مع كل نبي سرا، والكون ليس لمجرد بل ليستفيدوا منه، ويقتفون آثاره وآثار محمد التي لا يعرف تفسيرها إلا هم، وإلا كيف يكون للنور السري مع كل نبي أثرا يقتفي ويهتدي به؟
وما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام لمن سأله عن فضله على الأنبياء الذين أعطوا من الفضل الواسع والعناية الإلهية قال: (والله قد كنت مع إبراهيم في النار: وأنا الذي جعلتها بردا وسلاما، وكنت مع نوح في السفينة فأنجيته من الغرق، وكنت مع موسى فعلمته التوراة، وأنطقت عيسى في المهد وعلمته الإنجيل، وكنت مع يوسف في الجب فأنجيته من كيد أخوته، وكنت مع سليمان على البساط وسخرت له الرياح) (الأنوار النعمانية: ١ / ٣١). وروى ابن الجوزي والقاضي عياض قول العباس لمدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وردت نار الخليل مكتتما * تجول فيها ولست تحترق (الوفا بأحوال المصطفى: ٢٨ الباب الثاني - ح ٩، وينابيع المودة: ١٣ - ١٤) يا برد نار الخليل يا سببا لعصمة النار وهي تحترق (الشفا باعراف حقوق المصطفى: ١ / ١٦٧ - ١٦٨ الباب الثالث ). - وقال القسطلاني في المواهب:
سكن الفؤاد فعش هنيئا يا جسد * هذا النعيم هو المقيم إلى الأبد روح الوجود حياة من هو واجد * لولاه ما تم الوكود لمن وجد عيسى وآدم والصدور جميعهم * هم أعين هو نورها لما ورد لو أبصر الشيطان طلعة نوره * في وجه آدم كان أول من سجد أو لو رأى النمرود نور جماله * عبد الجليل مع الخليل ولا عند لكن جمال الله جل فلا يرى * إلا بتخصيص من الله الصمد (المواهب اللدنية بالمنح المحمدية: ١ / ٤٤).
- وقال الشيخ محمد حسين الأصفهاني:
طأطأ كل الأنبياء لطاها * ذلك عز عز أن يضاهى تقبلت تربة آدم الصفي * بيمنه أكرم به من خلف وسجدة الأملاك لا لغرته * بل نور ياسين بدا في غرته به نجي نوح من الطوفان * بمرسلات اللطف والإحسان (الأنوار القدسية: ٢٠).
- وقال الصفوري: لما ألقي إبراهيم في النار كان نور محمد صلى الله عليه وآله في جنبه، وعند الذبح كان النور قد انتقل إلى إسماعيل. (نزهة المجالس: ٢ / ٢٤٥).
- ما روي أن الإمام الصادق عليه السلام هو الذي أبطل سحر موسى عليه السلام (الإختصاص: ٢٤٧.).
- ما عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام:
(قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوة والولاية، ونورنا سبع طبقات أعلام الورى بالهداية، فنحن ليوث الوغى وغيوث الندى وطعناء العدى، فينا السيف والقلم في العاجل، ولواء الحمد والعلم في الأجل... فالكليم لبس حلة الاصطفاء لما شاهدنا منه الوفاء، وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة... وهذا الكتاب ذرة من جبل الرحمة وقطرة من بحر الحكمة) (المراقبات:
٢٤٥).
- ما روي في معنى قوله صلى الله عليه وآله (الله المعطي وأنا القاسم): جميع ما يخرج من الخزائن الإلهية دنيا وأخرى إنما يخرج على يديه (شرح الشمائل: ٢ / ٢٤٦).
- وحديث أمير المؤمنين عليه السلام: (أنا آدم الأول أنا نوح الأول) (الإنسان الكامل: ١٦٨).
- وقال الشعراوي قلت: (وبذلك قال سيدي على الخواص سمعته يقول: إن نوحا عليه السلام أبقى من السفينة لوحا على اسم علي بن أبي طالب رفع عليه إلى السماء فلم يزل محفوظا من الغرق حتى رفع عليه) (الفتوحات الأحمدية لسليمان الجمل: ٩٣).
- وقال رسول البشرية صلى الله عليه وآله: (أنا محمد النبي الأمي لا نبي بعدي، أوتيت جوامع الكلم وخواتمه، وعلمت خزنة النار وحملة العرش) (الشفا بتعريف حقوق المصطفى: ١ / 170 الباب الثالث - الفصل الأول).
(٢٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 247 249 250 251 252 253 ... » »»