ومن العاصي، لأنه ليس عند الله زمان ولا مكان، ثم أخذ عليهم العهد في الذرات وهو رمز رفيع ومعناه علم قبل إنشاء ذراتهم، من جبلته الانقياد للطاعة، ومن جبلته الظلم والانقياد للمعصية فما يغني النذر فصاروا في العلم قبضتين: مطيع بالقوة، وعاص بالقوة، ثم لما أوجدهم وكلفهم كشف العلم السابق ما في جبلاتهم فصاروا فريقين، كما قال وقوله الحق مؤمن بالفعل وكافر، ولذلك قال:
ولا أبالي، وفيه إشارة لطيفة معناها لا أبالي بعد أن فطرتهم على التوحيد، وعرضت عليهم الإيمان في عالم الأرواح، ثم ذكرتهم العهد في ظلم الأشباح، فمنهم من أبصر فاستبصر ومنهم من أنكر فاستكبر، فلا أبالي إن نسب الجبرية الظلم إلي وأنا العدل الحكيم، ولا أبالي يوم القيامة فريقا في الجنة بإيمانهم وفريقا في السعير بكفرهم وطغيانهم، وإليه الإشارة بقوله: أصحاب اليمين * وأصحاب الشمال (١).
ثم خلط الماءين. فما يفعله شيعتنا من الفواحش والأثم فهو من طينة النواصب ومزاجهم وهو لهم وعليهم وإليهم، وما يفعله النواصب من البر والإحسان فهو من طينة المؤمن ومن مزاجه فهو لهم وإليهم لأنه ليس من شأن المنافق بر، ولا من شأن المؤمن ظلم ولا كفر، فإذا عرضت الأعمال على الله قال الحكيم العدل سبحانه ألحقوا صالحات المنافق بالمؤمن لأنها من سجيته فهي له لأنها وفت بالعهد المأخوذ عليها، وألحقوا سيئات المؤمن بالمنافق لأنها من طينته وإليه لأنها وفت بالعصيان والإنكار.
ثم قال الصادق عليه السلام: وإن ذلك حكم إله السماء والأنبياء (٢)، وأما حكم إله السماء فذلك عقلا وشرعا وأصلا وفرعا ومزاجا وطبعا، أما الأصل فلأن طينته من الأصل أقرت بالولاية فاستقرت، أما الفرع فلأنه عمل صالحا في دار التكليف فطاب أصلا وزكا فرعا، ومن آمن وعمل صالحا فله الجنة جزاء وعدلا، وإليه الإشارة بقوله: ﴿الذين آمنوا﴾ (3) يعني يوم العهد المأخوذ وعملوا الصالحات يعني في عالم التكليف كانت له جنات الفردوس نزلا في عالم البعث والجزاء، لأنهم وصلوا يوم المناداة بيوم الأعمال، فوصله الله بيوم المجازاة وحسن المآل.