تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ٢٤٧
إليها. وقال أمير المؤمنين رضي الله عنه: ' من أقبل إليها فاتته ومن أعرض عنها أتته '.
* (فاليوم تجزون عذاب الهون) * أي: الذلة والصغار لملازمتكم بالطبع للجهة السفلية وتوجهكم بالعشق إلى المطالب الدنية، فأنتم اخترتم الدناءة والانقهار بالتجبر والاستكبار وذلك معنى قوله: * (بما كنتم تستكبرون) * أي: في مقام النفس باستيلاء القوة الغضبية التي شأنها الاستكبار * (في الأرض بغير الحق) * إذ لو تجردوا عن الهيئات الغضبية والشهوية، وترفعوا عن الصفات النفسية ونضوا جلابيب الأنية والأنائية لاستكبروا بالحق في السماء والأرض ولكان تكبرهم كبرياء الله كما قال الصادق عليه السلام لمن قال له: فيك كل فضيلة وكمال إلا أنك متكبرا، فقال: ' لا والله، بل انخلعت عن كبري فخلع علي كبرياء الله ' أو ما هذا معناه، فهذا هو التكبر بالحق * (وبما كنتم تفسقون) * باستيلاء القوة الشهوانية التي خاصيتها الفسق والفساد.
تفسير سورة الأحقاف [آية 29] * (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن) * الجن نفوس أرضية تجسدت في أبدان لطيفة مركبة من لطائف العناصر سماها حكماء الفرس الصور المعلقة، ولكونها أرضية متجسدة في أبدان عنصرية ومشاركتها الإنس في ذلك سميا ثقلين، وكما أمكن الناس التهدي بالقرآن أمكنهم. وحكاياتهم من المحققين وغيرهم أكثر من أن يمكن رد الجميع وأوضح من أن يقبل التأويل، وإن شئت التطبيق فاسمع. وإذ صرفنا إليك نفرا من جن القوى الروحانية من العقل والفكر والمتخيلة والوهم حال القراءة في الصلاة، أي: أملناهم نحوك واتبعناهم سرك بالإقبال بهم إليك وصرفهم عن جانب النفس والطبيعة بتطويقهم إياك وتسخيرهم لك حتى يجتمع همك ولا يتوزع قلبك ولا يتشوش بالك بحركاتهم في وقت حضورك عند طلوع فجر نور القدس * (يستمعون القرآن) * الوارد إليك من العالم القدسي * (فلما حضروه) * أي: حضروا العقل القرآني الجامع للكمالات عند ظهور النور الفرقاني عليك * (قالوا أنصتوا) * أي: سكنوا وسكت بعضهم بعضا عن كلامهم الخاص بهم مثل الأحاديث النفسانية والتصورات والهواجس والوساوس والخواطر والحركات الفكرية والانتقالات التخيلية. والقول ههنا حالي كما ذكر غير مرة إذ لو لم يسكنوا وينصتوا مستمعين لما يفيض عليهم من الواردات القدسية لم يبق من الوارد أثر، بل لم يكن بتلقي الغيب ولا ورود المعنى القدسي ولا تلاوة الكلام الإلهي كما ينبغي، ولهذا قال: * (إن ناشئة اليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا) * [المزمل، الآية: 6] ولأمر ما كان مبدأ الوحي منامات صادقة وذلك كون هذه القوى ساكنة متعطلة عند النوم حتى قوي على
(٢٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 ... » »»