البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٢ - الصفحة ٣٣٦
والأفضل أن لا يجلسوا ما لم يسووا عليه التراب لما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقوم حتى يسوى عليه التراب، ولان في القيام إظهار العناية بأمر الميت وأنه مستحب اه‍. والأولى لما في البدائع: فأما بعد الوضع فلا بأس بالجلوس لما روي عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يجلس حتى يوضع الميت في اللحد فكان قائما مع أصحابه على رأس قبر فقال يهودي: هكذا نصنع بموتانا. فجلس صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه: خالفوهم اه‍. أي في القيام فلذاكره. وقيدنا بمتبعها لأن من لم يرد اتباعها ومرت عليه فالمختار أنه لا يقوم لها لما روي عن علي رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس بهذا اللفظ لأحمد رحمه الله، وصحح في الظهيرية أن من في المصلى لا يقوم لها إذا رآها قبل أن توضع.
قوله (ومشى قدامها) أي بلا مشي لمتبعها أمامها لأن المشي خلفها أفضل عندنا للأحاديث الواردة باتباع الجنائز، وقد نقل فعل السلف على الوجهين والترجيح بالمعنى، فالشافعي يقول هم شفعاء والشفيع يتقدم ليمهد المقصود، ونحن نقول هم مشيعون فيتأخرون والشفيع المتقدم هو الذي لا يستصحب المشفوع له في الشفاعة وما نحن فيه بخلافه، بل قد ثبت شرعا الزام تقديمه حالة الشفاعة له أعني حالة الصلاة فثبت شرعا عدم اعتبار ما اعتبره. قالوا: ويجوز المشي أمامها إلا أن يتباعد عنها أو يتقدم الكل فيكره ولا يمشي عن يمينها ولا عن شمالها.
وذكر الأسبيجابي: ولا بأس بأن يذهب إلى صلاة الجنازة راكبا غير أنه يكره له التقدم أمام الجنازة بخلاف الماشي اه‍. وبهذا يضعف ما نقله ابن الملك في شرح المجمع معزيا إلى أبي يوسف فقال: رأيت أبا حنيفة يتقدم الجنازة وهو راكب ثم قعد حتى تأتيه. كذا في النوادر اه‍. وفي الظهيرية: والمشي فيها أفضل من الركوب كصلاة الجمعة. وفي الغاية: اتباع الجنائز أفضل من النوافل إذا كان لجوار أو قرابة أو صلاح مشهور وإلا فالنوافل أفضل. وينبغي لمن تبع جنازة أن يطيل الصمت ويكره رفع الصوت بالذكر وقراءة القرآن وغيرهما في الجنازة، والكراهة فيها كراهة تحريم في فتاوى العصر وعند مجد الأئمة التركماني. وقال علاء الدين الناصري: ترك الأولى اه‍. وفي الظهيرية: فإن أراد أن يذكر الله يذكره في نفسه لقوله تعالى * (أنه لا يحب المعتدين) * (الأعراف: 55) أي الجاهرين بالدعاء. وعن إبراهيم أنه كان يكره أن يقول الرجل وهو يمشي معها استغفروا له غفر الله لكم. وفي البدائع: ولا ينبغي أن يرجع من
(٣٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 ... » »»
الفهرست