البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٢ - الصفحة ٢٨٦
به هنا وقوف الناس يوم عرفة في غير عرفات تشبها بالواقفين بها. واختلف في معنى هذا اللفظ، ففي فتح القدير أن ظاهره أنه مطلوب الاجتناب فيكون مكروها، وفي النهاية ليس بشئ يتعلق به الثواب وهو يصدق على الإباحة، وفي غاية البيان أي ليس بشئ في حكم الوقوف لقول محمد في الأصل دم السمك ليس بشئ في حكم الدماء، وهذا لأنه شئ حقيقة لكونه موجودا إلا أنه لما لم يكن معتبرا نفي عنه اسم الشئ. وإنما لم يعتبر تعريفهم لأن الوقوف لما كان عبادة مخصوصة بمكان لم يجز فعله إلا في ذلك المكان كالطواف وغيره، ألا ترى أنه لا يجوز الطواف حول سائر البيوت تشبها بالطواف حول الكعبة اه‍. وظاهره أن الكراهة تحريمية. وفي الذخيرة من كتاب الحظر والإباحة: التضحية بالديك أو بالدجاج في أيام الأضحية ممن لا أضحية عليه لعسرته بطريق التشبيه بالمضحين مكروه لأن هذا من رسوم المجوس اه‍..
قوله (وسن بعد فجر عرفة إلى ثمان مرة الله أكبر إلى آخره بشرط إقامة ومصر ومكتوبة وجماعة مستحبة) بيان لتكبير التشريق والإضافة فيه بيانية أي التكبير الذي هو التشريق فإن التكبير لا يسمى تشريقا إلا إذا كان بتلك الألفاظ في شئ من الأيام المخصوصة فهو حينئذ متفرع على قول الكل، وبهذا اندفع ما في غاية البيان من أن هذه الإضافة وقعت على قولهما لأنه لا تكبير في أيام التشريق عند أبي حنيفة اه‍. فإن التكبير في هذا الوقت الخاص يسمى تشريقا فإذا صار علما عليه خرج من إفادته معناه الأصلي من تشريق اللحم مع أنه إن روعي هذا المعنى لم يكن متفرعا على قول أحد لأنهم اتفقوا على تكبير التشريق في يوم عرفة وليس المعنى موجودا فيه، وما في الحقائق من أنه إنما أضيف إلى التشريق مع أنه يؤتى به في غيرها لما أن أكثره في أيام التشريق وللأكثر حكم الكل يؤل إلى أنه على قولهما كمالا يخفي. وعلى هذا فما في الخلاصة والبدائع من أن أيام النحر ثلاثة وأيام التشريق ثلاثة ويمضي ذلك كله في أربعة أيام العاشر من ذي الحجة للنحر خاصة والثالث عشر للتشريق خاصة واليومان فيما بينهما للنحر والتشريق جميعا اه‍. فبيان للواقع من أفعال الناس من أنهم يشرقون اللحم في أيام مخصوصة لا بيان لتكبير التشريق لاتفاقهم على أن اليوم الأول من أيام النحر يكبر فيه.
ثم صرح في البدائع بأن التشريق في اللغة كما يطلق على القاء لحوم الأضاحي بالمشرقة يطلق
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 ... » »»
الفهرست