البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٢ - الصفحة ٢٤٥
تنصيف الظهر بعينه بل هي فرض ابتداء نسبته النصف منها. وهي فريضة محكمة بالكتاب والسنة والاجماع يكفر جاحدها. وقد أطال المحقق في فتح القدير في بيان دلائلها ثم قال:
وإنما أكثرنا فيه نوعا من الاكثار لما نسمع عن بعض الجهلة أنهم ينسبون إلى مذهب الحنفية عدم افتراضها، ومنشأ غلطهم ما سيأتي من قول القدوري: ومن صلى الظهر في منزله يوم الجمعة ولا عذر له كره وجازت صلاته. وإنما أراد حرم عليه وصحت الظهر فالحرمة لترك الفرض وصحه الظهر لما سنذكره، وقد صرح أصحابنا بأنها فرض آكد من الظهر وبإكفار جاحدها ا ه‍. أقول: وقد كثر ذلك من جهلة زماننا أيضا ومنشأ جهلهم صلاة الأربع بعد الجمعة بنية الظهر، وإنما وضعه بعض المتأخرين عند الشك في صحة الجمعة بسبب رواية عدم تعددها في مصر واحد وليست هذه الرواية بالمختارة، وليس هذا القول - أعني اختيار صلاة الأربع بعدها - مرويا عن أبي حنيفة وصاحبيه حتى وقع لي أني أفتيت مرارا بعدم صلاتها خوفا على اعتقاد الجهلة بأنها الفرض وأن الجمعة ليست بفرض، وسنوضحه من بعد إن شاء الله تعالى. وأما شرائطها فنوعان: شرائط صحة وشرائط وجوب، فالأول ستة كما ذكره المصنف: المصر والسلطان والوقت والخطبة والجماعة والاذان العام. والثاني ستة أيضا كما سيأتي وهي بضم الميم وإسكانها وفتحها حكى ذلك الفراء والواحدي من الاجتماع كالفرقة من الافتراق أضيف إليها اليوم والصلاة ثم كثر الاستعمال حتى حذف منها المضاف وجمعت فقيل جمعات وجمع. كذا في المغرب. وكان يوم الجمعة في الجاهلية يسمى عروبة بفتح العين المهملة وضم الراء وبالباء الموحدة، وأول من سماها يوم الجمعة كعب بن لؤي، ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أقام يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس في بني عمرو بن عوف وأسس مسجدهم ثم خرج من عندهم فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي - وادي راتونا - فكانت أول جمعة صلاها عليه الصلاة والسلام بالمدينة.
قوله (شرط أدائها المصر) أي شرط صحتها أن تؤدى في مصر حتى لا تصح في قرية ولا مفازة لقول علي رضي الله عنه: لا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع أو في مدينة عظيمة. رواه ابن أبي شيبة وصححه ابن خرم، وكفى بقوله قدوة وإماما. وإذا لم تصح في غير المصر فلا تجب على غير أهله. وفي الخلاصة: القروي إذا دخل المصر يوم الجمعة إن نوى أن يمكث فيه يوم الجمعة لزمته الجمعة، وإن نوى الخروج من ذلك المصر من يومه قبل دخول وقت الصلاة لا تلزمه وبعد دخول وقت الجمعة تلزمه. قال
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 ... » »»
الفهرست