البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٢ - الصفحة ١٩٨
شك أن فهم المراد من لفظ المرض أجلى من فهمه من قولنا معنى يزول بحلوله في بدن الحي اعتدال الطبائع الأربع، بل ذلك يجري مجرى التعريف بالأخفى. وعرفه في كشف الاسرار بأنه حالة للبدن خارجة عن المجرى الطبيعي، والإضافة فيه من باب إضافة الفعل إلى فاعله كقيام زيد أو إلى محله كتحريك الخشب قوله: (تعذر عليه القيام أو خاف زيادة المرض صلى قاعدا يركع ويسجد) لقوله تعالى * (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) * (آل عمران: 191) قال ابن مسعود وجابر وابن عمر: الآية نزلت في الصلاة أي قياما إن قدروا، وقعودا إن عجزوا عنه، وعلى جنوبهم إن عجزوا عن القعود. ولحديث عمران بن حصين أخرجه الجماعة إلا مسلما قال: كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم: صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنبك. زاد النسائي: فإن لم تستطع فمستلقيا * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) *. ثم المصنف رحمه الله أراد بالتعذر التعذر الحقيقي بحيث لو قام سقط بدليل أنه عطف عليه التعذر الحكمي وهو خوف زيادة المرض.
واختلفوا في التعذر فقيل ما يبيح الافطار، وقيل التيمم، وقيل بحيث لو قام سقط، وقيل ما يعجزه عن القيام بحوائجه، والأصح أن يلحقه ضرر بالقيام. كذا في النهاية والمجتبي وغيرهما. وإذا كان التعذر أعم من الحقيقي والحكمي فلا حاجة إلى جعل التعذر بمعنى التعسر وأنهم لا يريدون به عدم الامكان كما في الذخيرة. وفي المجتبى: حد المرض المسقط للقيام والجمعة والمبيح للافطار والتيمم زيادة العلة أو امتداد المرض أو اشتداده أو يجد به وجعا ا ه‍. قيد بتعذر القيام أي جميعه لأنه لو قدر عليه متكئا أو متعمدا على عصا أو حائط لا يجزئه إلا كذلك خصوصا على قولهما فإنهما يجعلان قدرة الغير قدرة له. قال الهندواني:
إذا قدر على بعض القيا يقوم ذلك ولو قدر آية أو تكبيرة ثم يقعد وإن لم يفعل ذلك خفت أن تفسد صلاته. هذا هو المذهب ولا يروى عن أصحابنا خلافه. وكذا إذا عجز عن القعود وقدر على الاتكاء والاستناد إلى إنسان أو إلى حائط أو إلى وسادة لا يجزئه إلا كذلك، ولو
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»
الفهرست