البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٥٦٣
الهبوط باليمنى والنهوض بالشمال ولم يذكر للكراهة دليلا وذكرها في المجتبى مروية عن معاذ بن جبل وابن عباس رضي الله عنهما قوله (والثانية كالأولى) أي فميا قدمناه من الأركان والواجبات والسنن الآداب (إلا أنه لا يثنى) أي لا يأتي بدعاء الاستفتاح لأنه شرع في أول العبادة دون أثنائها ولذا سمي دعاء الاستفتاح. قوله (ولا يتعوذ) لأنه شرع في أول القراءة لدفع الوسوسة فلا يتكرر إلا بتبدل المجلس كما لو تعوذ وقرأ ثم سكت قليلا وقرأ، وبهذا اندفع ما ذكره ابن أمير حاج في شرحه من أنه ينبغي على قول أبي حنيفة ومحمد أن يتعوذ في الثانية أيضا لأنه سنة القراءة والقراءة تتجدد في كل ركعة لما علمت أنه سنة في أول القراءة.
قوله: (ولا يرفع يديه إلا في فقعس صمعج) أي ولا يرفع يديه على وجه السنة المؤكدة إلا في هذه المواضع. وليس مراده النفي مطلقا لأن رفع الأيدي وقت الدعاء مستحب كما عليه المسلمون في سائر البلاد، فلا يرفع يديه عند الركوع ولا عند الرفع منه ولا في تكبيرات الجنائز لحديث أبي داود عن البراء قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حين افتتح الصلاة ثم لم يرفعهما حتى انصرف. ولحديث مسلم عن جابر ابن سمرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ تسكنوا في الصلاة. وشمس بضم المعجمة وسكون الميم جمع شموس بفتحها، وضم الميم أي صعب.
واعتراض البخاري في كتابه رفع اليدين بأن هذا الرفع كان في التشهد بدليل حديث عبد الله بن القبطية عن جابر أيضا، رد بأن الظاهر أنهما حديثان لأن الذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال له أسكن في الصلاة، وبأن العبرة لعموم اللفظ وهو قوله اسكنوا في الصلاة لا لخصوص السبب وهو الايماء حال التسليم. وفي فتح القدير: واعلم أن الآثار عن الصحابة والطرق عنه صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا والكلام فيها واسع من جهة الطحاوي وغيره، والقدر المتحقق بعد ذلك كله ثبوت رواية كل من الامرين عنه عليه الصلاة والسلام الرفع عند الركوع كما رواه الأئمة الستة في كتبهم عن ابن عمر، وعدمه كما رواه أبو داود وغير عن ابن مسعود وغيره فيحتاج إلى الترجيح لقيام التعارض. ويترجح ما صرنا إليه بأنه قد علم أنها كانت أقوال مباحة في الصلاة وأفعال من جنس هذا الرفع وقد علم نسخها فلا يبعد أن
(٥٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 558 559 560 561 562 563 564 565 566 567 568 ... » »»
الفهرست