البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٥٦٧
واختير لفظ الشهادة دونهما لأنها أبلغ في معناها وأظهر منهما لكونها مستعملة في ظواهر الأشياء وبواطنها بخلاف العلم واليقين فإنهما يستعملان غالبا في البواطن فقط، ولذا لو أتى الشاهد بلفظ أعلم أو أتيقن مكان أشهد لم تقبل شهادته. وإنما ذكرنا بعض معاني التشهد لما أن المصلي يقصد بهذه الألفاظ معانيها مرادة له على وجه الانشاء منه كما صرح به في المجتبى بقوله: ولا بد من أن يقصد بألفاظ التشهد معناها التي وضعت لها من عنده كأنه يحيي الله ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى نفسه وأوليائه ا ه‍. وعلى هذا فالضمير في قوله السلام علينا عائد إلى الحاضرين من الإمام والمأموم والملائكة كما نقله في الغاية عن النووي واستحسنه، وبهذا يضعف ما ذكره في السراج الوهاج أن قوله السلام عليك أيها النبي حكاية سلام الله عليه لا ابتداء سلام من المصلي عليه.
واحترز بتشهد ابن مسعود عن غيره ليخرج تشهد عمر رضي الله عنه وهو:
التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. رواه مالك في الموطأ وعمل به إلا أنه زاد عليه وحده لا شريك له الثابت في تشهد عائشة المروي في الموطأ أيضا، وبه علم تشهدها. وخرج تشهد ابن عباس رضي الله عنهما المروي في مسلم وغيره مرفوعا: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، إلا أن في رواية الترمذي: سلام عليك بالتنكير. وبهذا أخذ الشافعي وقال: إنه أكمل التشهد. ورجح مشايخنا تشهد ابن مسعود بوجوه عشرة ذكرها الشارح وغيره أحسنها أن حديثه اتفق عليه الأئمة الستة في كتبهم لفظا ومعنى. واتفق المحدثون على أنه أصح أحاديث التشهد بخلاف غيره حتى قال الترمذي: إن أكثر أهل العلم عليه من الصحابة والتابعين. وممن عمل به أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان يعلمه الناس على المنبر كالقرآن. ثم وقع لبعض الشارحين أنه قال: والاخذ بتشهد ابن مسعود أولى فيفيد أن الخلاف في الأولوية حتى لو تشهد بغيره كان آتيا بالواجب والظاهر خلافه، لأنهم جعلوا
(٥٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 562 563 564 565 566 567 568 569 570 571 572 ... » »»
الفهرست