البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٥٤
يمسح به الرأس وتمام تقريره في غاية البيان، واستدل في فتح القدير بفعله عليه الصلاة والسلام أنه أخذ غرفة فمسح بها رأسه وأذنيه على ما رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
وأما ما روي أنه عليه السلام أخذ لأذنيه ماء جديدا فيجب حمله على أنه لفناء البلة قبل الاستيعاب توفيقا بينهما مع أنه لو أخذ ماء جديدا من غير فناء البلة كان حسنا كذا في شرح مسكين، فاستفيد منه أن الخلاف بيننا وبين الشافعي في أنه إذا لم يأخذ ماء جديدا أو مسح بالبلة الباقية هل يكون مقيما للسنة؟ فعندنا نعم، وعنده لا، أما لو أخذ ماء جديدا مع بقاء البلة فإنه يكون مقيما للسنة اتفاقا.
قوله (والترتيب المنصوص) أي كما ذكر في النص كذا في أصله الوافي. وهو سنة مؤكدة عندنا على الصحيح ويكون مسيئا بتركه، وعند الشافعي فرض. ومنهم من بنى الخلاف على الاختلاف في معنى الواو وليس بصحيح، فإن الصحيح عندنا وعنده كما هو قول الأكثر أن الواو لمطلق الجمع ولا تفيد الترتيب، ومن زعم من أئمتنا بأنها له لمسائل استدل بها فقد أجيب عنها في الأصول، ومن زعم من الشافعية أنه له فقد ضعفه النووي في شرح المهذب فلم يوجد دليل بالافتراض فنفاه أئمتنا، وقد علم من فعله عليه الصلاة والسلام فقالوا بسنيته. وأما ما استدل به النووي بأن الله تعالى ذكر ممسوحا بين مغسولات والأصل جمع المتجانسة على نسق واحد ثم عطف غيرها لا يخرج عن ذلك إلا لفائدة وهي هنا وجوب الترتيب، فقد أجيب عنه بأن الفائدة التنبيه على وجوب الاقتصاد في صب الماء على الأرجل لما أنها مظنة الاسراف كما في الكشاف وغيره، وقد روى البخاري كما في التوشيح وأبو داود كما في السراج الوهاج أنه عليه الصلاة والسلام تيمم فبدأ بذراعيه قبل وجهه، فما ثبت عدم الترتيب في التيمم ثبت في الوضوء لأن الخلاف فيهما واحد. وأما ما استدل به الشارحون للشافعي من أن الله تعالى عقب القيام بغسل الوجه بالفاء وهي للترتيب بلا خلاف ومتى وجب تقديم الوجه تعين الترتيب إذ لا قائل بالترتيب في البعض، وما أجابوا به من أن الفاء إنما تفيد ترتيب غسل الأعضاء على القيام إلى الصلاة لا ترتيب بعضها على بعض فقد قال النووي: إنه استدلال باطل عن الشافعي، وكأن قائله حصل له ذهول واشتباه فاخترعه.
وأما ما استدل به الزيلعي عن الشافعي من الحديث لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه فيغسل يديه ثم يغسل وجهه ثم يغسل ذراعيه فقد اعترف النووي بضعفه فلا حاجة إلى الاشتغال بجوابه. وأما ما استدل في المعراج وغيره من أنه صلى الله عليه وسلم نسي مسح
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»
الفهرست