البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٥٢
وقوله إن الوضوء عبادة والعبادة لا تصح إلا بالنية سلمناه لأنه لا يقع عبادة بدونها عندنا وليس الكلام في هذا بل في أنه إذا لم ينو حتى لم يقع عبادة سببا للثواب فهل يقع الشرط المعتبر للصلاة حتى تصح به أو لا؟ ليس في الحديث دلالة على نفيه ولا إثباته فقلنا نعم لأن الشرط مقصود التحصيل لغيره لا لذاته فكيف حصل حصل المقصود وصار كستر العورة وباقي شروط الصلاة لا يفتقر اعتبارها إلى أن تنوي، فمن ادعى أن الشرط وضوء هو عبادة فعليه البيان بخلاف التيمم لأن التراب لم يعتبر شرعا مطهرا إلا للصلاة وتوابعها لا في نفسه فكان التطهير به تعبدا محضا وفيه يحتاج إلى النية، وقياس الوضوء على التيمم ضعيف لأن شرط صحة القياس أن لا يكون الأصل متأخرا والتيمم شرع بعد الهجرة والوضوء قبلها إلا إن قصد به الاستدلال بمعنى لما شرع التيمم بشرط النية ظهر وجوبها في الوضوء فهو بمعنى لا فارق فليس الجواب إلا بإثبات الفارق المتقدم، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم الاعرابي الوضوء ولم يبين له النية فلو كانت شرطا لبينها له. وقد علم مما قدمناه أن الوضوء يقع عبادة فقول بعضهم إنه ليس بعبادة محمول على ما إذا لم ينو أو مراده نفي العبادة المقصودة كما صرح به في الكافي وغيره، وبهذا اندفع ما ذكره النووي من الرد على من نفي العبادة عن الوضوء متمسكا بحديث مسلم الطهور شطر الايمان (1). واعلم أن المذكور في الأصول أن الغسل والمسح في آية الوضوء خاصان وهو لا يحتمل البيان، فاشتراط النية في الوضوء زيادة على النص بخبر الواحد لو دل عليها وهو لا يجوز فأورد العقدة الأخيرة فإنها فرض بخبر الواحد، فأجيب بأن الصلاة مجملة في حق ما تتم به إذ لم يعرف بأن إتمامها بأي شئ يقع فاحتاج إلى البيان وقد بين بالحديث، فالفرض ثبت بالكتاب والحديث التحق به بيانا لمجمله فأورد أنه ينبغي أن يلتحق خبر الفاتحة كذلك، فأجيب بأنه لا إجمال في أمر القراءة بل هو خاص.
وأورد أيضا أنه ينبغي عدم اشتراط النية في العبادات لما ذكر أجيب بأنها فرض فيها لا بالحديث المذكور بل بقوله تعالى * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * (البينة: 5) فإنه جعل الاخلاص الذي هو عبارة عن النية حالا للعابدين والأحوال شروط، ومن هنا نشأ
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»
الفهرست