البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٢٧٣
به الحدث إلى وقت وجود الماء لا أنه مبيح للصلاة مع قيام الحدث. وقال الشافعي: هو بدل ضروري مبيح مع قيام الحدث حقيقة فلا يجوز قبل الوقت ولا يصلي به أكثر من فريضة عنده، وعندنا يجوز. وفي إنائين طاهر ونجس يجوز التيمم عندنا خلافا له، ولهذا يبني الخلاف تارة على أنه رافع للحدث عندنا مبيح عنده لا رافع، وتارة على أنه طهارة ضرورية عنده مطلقة عندنا، واقتصر على الثاني صاحب الهداية. ويدفع مبنى الشافعي الأول بأن اعتبار الحدث مانعيه عن الصلاة شرعية لا يشكل معه أن التيمم رافع لارتفاع ذلك المنع به وهو الحق إن لم يقم على أكثر من ذلك دليل، وتغير الماء برفع الحدث إنما يستلزم اعتباره نازلا عن وصفه الأول بواسطة إسقاط الفرض لا بواسطة إزالة وصف حقيقي مدنس، ويدفع الثاني بأنه طهور حال عدم الماء بقوله صلى الله عليه وسلم التراب طهور المسلم وقال في حديث الخصائص في الصحيحين وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا يريد به مطهرا وإلا لما تحققت الخصوصية لأن طهارة الأرض بالنسبة إلى سائر الأنبياء ثابتة. وإذا كان مطهرا فتبقى طهارته إلى وجود غايتها من وجود الماء أو ناقض آخر. والثاني الخلاف فيه بين أصحابنا، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف البدلية بين الماء والتراب، وعند محمد بين الفعلين وهما التيمم والوضوء، ويتفرع عليه جواز اقتداء المتوضئ بالمتيمم فأجازاه ومنعه وسيأتي إن شاء الله تعالى. وقاس الشافعي كما ذكره النووي عدم جوازه قبل الوقت على عدم جواز طهارة المستحاضة قبل الوقت. وقال النووي: إنهم وافقونا عليه ومنع أئمتنا الحكم في المقيس عليه لأن المذهب عندنا جواز وضوئها قبل الوقت ولا ينتقض بالدخول، ولئن سلم على قول من يقول بنقضه بالدخول فالفرق بينهما أن طهارة المستحاضة قد وجد ما ينافيها وهو سيلان الدم والتيمم لم يوجد له رافع بعده وهو الحدث، أو وجود الماء فيبقى على ما كان كالمسح على الخفين بل أقوى لأن المسح مؤقت بمدة قليلة والشارع جوز التيمم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء.
وقولهم لا ضرورة قبله ممنوع لأن المندوب التطهر قبل الوقت ليشتغل أول الوقت بالأداء، وما استدلوا به من أثر ابن عباس قال: من السنة أن لا يصلي بالتيمم أكثر من صلاة واحدة.
رواه الدارقطني. ومن أثر ابن عمر قال: يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث. رواه البيهقي.
ومن أثر علي قال: يتيمم لكل صلاة. فالكل ضعيف لأن في سند الأول الحسن بن عمارة تكلموا فيه. قال بعضهم: متروك. ذكره مسلم في مقدمة كتابه في جملة من تكلم فيه. رواه عنه أبو يحيى الجماني وهو متروك. وفي سند الثاني عامر ضعفه ابن عيينة وأحمد بن حنبل
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»
الفهرست