البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ١٢٦
قوله: (أو أنتن بالمكث) أي يجوز الوضوء بماء أنتن بالمكث وهو الإقامة والدوام يجوز فتح الميم وضمها كما يجوز في عين فعله الماضي وهي بالضم في المضارع على كل حال. وفي بعض الشروح أنه يجوز فيه الكسر. قيد بقوله بالمكث لأنه لو علم أنه أنتن للنجاسة لا يجوز به الوضوء، وأما لو شك فيه فإنه يجوز ولا يلزمه السؤال عنه. قوله: (لا بما تغير بكثرة الأوراق) عطف على بماء السماء يعني لا يتوضأ بما تغير بوقوع الأوراق الكثيرة فيه، وهذا محمول على ما إذا زال عنه اسم الماء بأن صار ثخينا كما سيأتي بيانه قريبا إن شاء الله تعالى.
قال في النهاية: المنقول من الأساتذة أن أوراق الأشجار وقت الخريف تقع في الحياض فيتغير ماؤها من حيث اللون والطعم والرائحة. ثم إنهم يتوضؤون منها من غير نكير. وروي عن محمد ابن إبراهيم الميداني أن الماء المتغير بكثرة الأوراق إن ظهر لونها في الكف لا يتوضأ بها لكن يشرب. قوله أو بالطبخ أي لا يتوضأ بما تغير بسبب الطبخ مما لا يقصد به المبالغة في التنظيف كماء المرق والباقلاء لأنه حينئذ ليس بماء مطلق لعدم تبادره عند إطلاق اسم الماء، ولا نعني بالمطلق إلا ما يتبادر عند إطلاقه، أما لو كنت النظافة تقصد به كالسدر والصابون والأشنان يطبخ بالماء فإنه يتوضأ به إلا إذا خرج الماء عن طبعه من الرقة والسيلان. وبما تقرر علم أن ما ذكره صاحب الهداية في التجنيس وصاحب الينابيع أن الباقلاء أو الحمص إذا طبخ إن كان إذا برد ثخن لا يجوز الوضوء به، وإن كان لا يثخن ورقة الماء باقية جاز، ليس هو المختار بل هو قول الناطفي من مشايخنا رحمهم الله يدل عليه ما ذكره قاضيخان في فتاواه بما لفظه: ولو طبخ الحمص والباقلاء في الماء وريح الباقلاء توجد فيه لا يجوز التوضؤ به.
وذكر الناطفي رحمه الله إذا لم تذهب عنه رقة الماء ولم يسلب عنه اسم الماء جاز الوضوء به.
وبما قررناه أيضا علم أن الماء المطبوخ بشئ لا يقصد به المبالغة في التنظيف يصير مقيدا، سواء تغير شئ من أوصافه أو لم يتغير، فحينئذ لا ينبغي عطفه في المختصر على ما تغير بكثرة الأوراق إلا أن يقال إنه لما صار مقيدا فقد تغير بالطبخ.
قوله: (أو اعتصر من شجر أو ثمر) عطف على قوله تغير أي لا يتوضأ بما اعتصر من شجر كالريباس أو ثمر كالعنب لأن هذا ماء مقيد وليس بمطلق فلا يجوز الوضوء به لأن الحكم منقول إلى التيمم عند فقد الماء المطلق بلا واسطة بينهما. وفي ذكر العصر إشارة إلى أن ما يخرج من الشجر بلا عصر كماء يسيل من الكرم يجوز به الوضوء، وبه صرح صاحب الهداية لكن المصرح به في كثير من الكتب أنه لا يجوز الوضوء به، واقتصر عليه قاضيخان
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»
الفهرست