البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ١١٨
أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فدنا واستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا (1) وهذا نص في الاكتفاء بالوضوء. وأما القرينة المنفصلة فهي قوله ومن اغتسل فالغسل أفضل.
وأما كون الغسل سنة للعيدين وعرفة فبما رواه ابن ماجة في سننه عن الفاكه بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر ويوم النحر ويوم عرفة، ورواه الطبراني في معجمه والبزار في مسنده وزاد فيه يوم الجمعة، ورواه أحمد في مسنده أيضا وروى ابن ماجة عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل يوم العيدين. وأما كونه سنة للاحرام فبما أخرجه الترمذي في الحج وحسنه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه زيد بن ثابت أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لاهلاله واغتسل. وذهب بعض مشايخنا إلى أن هذه الأغسال الأربعة مستحبة أخذا من قول محمد في الأصل إن غسل الجمعة حسن. قال في فتح القدير: وهو النظر لأنا إن قلنا بأن الوجوب انتسخ لا يبقى حكم آخر بخصوصه إلا بدليل والدليل المذكور يفيد الاستحباب، وكذا إن قلنا بأنه من قبيل انتهاء الحكم بانتهاء علته وإن حملنا الامر على الندب فدليل الندب يفيد الاستحباب إذ لا سنة دون مواظبته صلى الله عليه وسلم وليس ذلك لازم الندب ثم يقاس عليه باقي الأغسال، وإنما يتعدى إلى الفرع حكم الأصل وهو الاستحباب. وأما ما رواه ابن ماجة في العيدين وعرفة من حديثي الفاكه وابن عباس المتقدم ذكرهما فضعيفان قاله النووي وغيره. وأما ما رواه الترمذي في الاهلال فواقعة حال لا تستلزم المواظبة فاللازم الاستحباب إلا أن يقال: إهلاله اسم جنس فيعم لفظا كل إهلال صدر منه فثبتت سنية هذا الغسل ا ه‍.
لكن قال تلميذه ابن أمير حاج: والذي يظهر استنان غسل الجمعة لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع: من الجنابة ويوم الجمعة وغسل الميت ومن الحجامة. رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة والحاكم وقال على شرط الشيخين. وقال البيهقي:
رواته كلهم ثقات. مع ما تقدم فإن هذا الحديث ظاهره يفيد المواظبة وما تقدم يفيد جواز الترك من غير لوم، وبهذا القدر تثبت السنة. ثم اختلفوا فعند أبي يوسف الغسل في الجمعة والعيدين سنة للصلاة لا لليوم لأنها أفضل من الوقت، وعند الحس لليوم اظهارا لفضيلته. وهكذا في كثير من الكتب وفي بعض الكتب كما نقله في المعراج ذكر محمد مكان الحسن وقالوا: الصحيح قول أبي يوسف. وتظهر ثمرة الاختلاف فيمن لا جمعة عليه هل يسن له الغسل أو لا، وفيمن اغتسل ثم أحدث وتوضأ وصلى به الجمعة لا يكون له فضل غسل الجمعة عند أبي يوسف خلافا للحسن، وفيمن اغتسل بعد الصلاة قبل الغروب فعند أبي يوسف لا، وعند الحسن نعم. كذا
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»
الفهرست