ونعمت الخصلة هذه والأول أولى فإنه قال وإذا اغتسل فالغسل أفضل فتبين أن الوضوء سنة لا رخصة كذا في الطلبة. والضمير في فبها يعود إلى غير المذكور وهو جائز إذا كان مشهورا وهذا مذهب جمهور العلماء وفقهاء الأمصار وهو المعروف من مذهب مالك وأصحابه، وما وقع في الهداية من أنه واجب عند مالك فقال بعض الشارحين: إنه غير صحيح فإنه لم يقل أحد بالوجوب إلا أهل الظاهر وتمسكوا بما رواه البخاري ومسلم من حديث عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جاء منكم الجمعة فليغتسل والامر للوجوب. وروى البخاري ومسلم من حديث الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وقد أجاب الجمهور عنه بثلاثة أجوبة: أحدها أن الوجوب قد كان ونسخ ودفع بأن الناسخ وإن صححه الترمذي لا يقوي قوة حديث الوجوب ما ليس فيه تاريخ أيضا فعند التعارض يقدم الموجب. ثانيها أنه من قبيل انتهاء الحكم بانتهاء علته كما يفيده ما أخرجه أبو داود عن عكرمة أن ناسا من أهل العراق جاءوا فقالوا: يا ابن عباس أترى الغسل يوم الجمعة واجبا؟ فقال: لا ولكنه طهور وخير لمن اغتسل ومن لم يغتسل فلا شئ عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدأ الغسل كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون على ظهورهم وكان مسجدهم ضيقا مقارب السقف إنما هو عريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار وعرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منه رياح حتى أذى بعضهم بعضا، فلما وجد عليه السلام تلك الرياح قال: يا أيها الناس، إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمس أحدكم أمثل ما يجد من دهنه وطيبه.
قال ابن عباس: ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف وكفوا العمل ووسع مسجدهم وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضا من العرق. وثالثها أن المراد بالامر النسب وبالوجوب الثبوت شرعا على وجه الندب كأنه قال واجب في الأخلاق الكريمة وحسن السنة بقرينة متصلة ومنفصلة. أما المتصلة فهي أنه قرنه بما لا يجب اتفاقا كما رواه مسلم في حديث الخدري إنه عليه السلام قال غسل الجمعة على كل محتلم والسواك والطيب ما يقدر عليه ومعلوم أن الطيب والسواك ليسا بواجبين فكذلك الغسل، وأما قول أبي هريرة كغسل الجنابة فإنما أراد التشبيه في الهيئة والكيفية لا في كونه فرضا يدل عليه ما رواه الترمذي عن