بين الاكراه على الزنا وبين الاكراه على القتل قال لا قود على المكره وعليه الحد ففي كل واحد من الموضعين الحرمة لا تنكشف بالاكراه ولكن القتل فعل يصلح أن يكون المكره فيه آلة للمكره فبسبب الالجاء يصير الفعل منسوبا إلى المكره ولهذا لزمه القصاص وإذا صار منسوبا إلى المكره صار المكره آلة فاما الزنا ففعل لا يتصور أن يكون المكره فيه آلة للمكره لان الزنا بآلة الغير لا يتحقق ولهذا لا يجب الحد على المكره فبقي الفعل مقصورا على المكره فيلزمه الحد ووجه قوله الآخر ان الحد مشروع للزجر ولا حاجة إلى ذلك في حالة الاكراه لأنه منزجر إلى أن يتحقق الالجاء وخوف التلف على نفسه فإنما كان قصده بهذا الفعل دفع الهلاك عن نفسه لا اقتضاء الشهوة فيصير ذلك شبهة في اسقاط الحد عنه وانتشار الآلة لا يدل على انعدام الخوف فقد تنتشر الآلة طبعا بالفحولة التي ركبها الله تعالى في الرجال وقد يكون ذلك طوعا (ألا ترى) أن النائم تنتشر آلته طبعا من غير اختيار له في ذلك ولا قصد ثم على القول الآخر قال أبو حنيفة رحمه الله إن كان المكره غير السلطان يجب الحد على المكره وقال أبو يوسف ومحمد إذا كان قادرا على ايقاع ما هدده به فلا حد على المكره سواء كان المكره سلطانا أو غيره قيل هذا اختلاف عصر فقد كان السلطان مطاعا في عهد أبي حنيفة ولم يكن لغير السلطان من القوة ما يقدر على الاكراه فأجاب بناء على ما شاهد في زمانه ثم تغير حال الناس في عهدهما وظهر كل متغلب في موضع فأجابا بناء على ما عاينا وقيل بل هو اختلاف حكم فوجه قولهما ان المعتبر في اسقاط الحد هو الالجاء وذلك بان يكون المكره قادرا على ايقاع ما هدد به لان خوف التلف للمكره بذلك يحصل (الا ترى) ان السلطان لو هدده وهو يعلم أنه لا يفعل ذلك به لا يكون مكرها وخوف التلف يتحقق عند قدرة المكره على ايقاع ما هدده به بل خوف التلف باكراه غير السلطان أظهر منه باكراه السلطان فالسلطان ذو أناة في الأمور لعلمه انه لا يفوته وغير السلطان ذو عجلة في ذلك لعلمه انه يفوته ذلك بقوة السلطان ساعة فساعة وأبو حنيفة لا يقول الالجاء لا يتحقق باكراه غير السلطان وإنما يتحقق باكراه السلطان لأنه لا يتمكن من دفع السلطان عن نفسه بالالتجاء إلى من هو أقوى منه ويتمكن من دفع اللص عن نفسه بالالتجاء بقوة السلطان فان اتفق في موضع لا يتمكن من ذلك فهو نادر والحكم إنما ينبنى على أصل السبب لا على الأحوال وباعتبار الأصل يمكن دفع اكراه غير السلطان بقوة السلطان ولا يمكن دفع اكراه السلطان بشئ ثم ما يكون
(٨٩)