فلكم وإن شئتم فلنا وفى هذا الحديث بيان حكمين حكم المعاملة وقد بيناه وحكم الخرص فهو دليل على أن للامام في الأراضي التي يكون للامام خراجها خراج المقاسمة وفى الأرض العشرية أن يبعث من يخرص الثمار والزروع على أربابها إلا أن عند الشافعي هذا الخرص بمنزلة الكيل حتى إذا ادعوا النقصان بعد ذلك لا يقبل قولهم الا بحجة وعندنا هذا الخرص لا يكون ملزما إياهم شيئا لان الذي يخرص إنما يقول شيئا بظن والظن لا يغنى من الحق شيئا فالقول قولهم في دعوى النقصان وعلى من يدعى عليهم الخيانة والسرقة اثبات ذلك بالبينة وعلى هذا الأصل جوز الشافعي رحمه الله بيع العرايا وهو بيع الثمر على رؤس النخل بتمر مجدود على الأرض خرصا فيما دون خمسة أوسق وقال الخرص بمنزلة الكيل ولم يجوز ذلك علماؤنا رحمهم الله وقالوا الخرص ليس بمعيار شرعي تظهر به المماثلة فيكون هذا بيع الثمر بالثمر مجازفة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر بالتمر مثلا بمثل وتأويل ما فعله عبد الله بن رواحة رضي الله عنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهين أحدهما أن ذلك كان على سبيل النظر للمسلمين منه حتى يتحرز اليهود من كتمان شئ فقد كانوا في عداوة المسلمين بحيث لا يمتنعون مما يقدروا عليه من الاضرار بالمسلمين وقيل كان ابن رواحة مخصوصا بذلك حتى كان خرصه بمنزلة كيل غيره لا يتفاوت قد علم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق الوحي أو كان له ذلك بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكونه مبعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بين فيما رواه بعد هذا ولا يوجد مثل ذلك في حق غيره ومعنى قوله إن شئتم فلكم وإن شئت م فلنا أي أن شئتم أخذتم على ما خرصت وأعطيتمونا نصف ذلك بعد الادراك وإن شئتم أخذنا ذلك وأعطيناكم نصف ذلك بعد الادراك فهذا منه بيان أنه عدل في الخرص ولم يمل إلى المسلمين ولا قصد الحيف على اليهود وعن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع خيبر إلى أهلها الذين كانت لهم على أن يعملوها فإذا بلغت الثمار كان لهم النصف وللمسلمين النصف فبعث ابن رواحة رضي الله عنه فخرصها عليهم وقد بينا فائدة الحديث وفى اللفظ المذكور في هذا الحديث دليل على ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله انه من عليهم بأراضيهم وجعل عليهم نصف الخارج بطريق خراج المقاسمة وعن حجاج بن أرطأة قال سألت محمد بن علي رضي الله عنه عن المزارعة بالثلث فالنصف فقال أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بالشطر وأبو بكر وعثمان وعلي رضى لله عنهم وأهلوهم إلى يومهم هذا يفعلونه وفيه دليل جواز
(٦)