في أحكام الآخرة لا يمكن تصحيح الكفالة كما في ديون الله جلت قدرته والدليل عليه أن الذمة لم تبق محلا لوجوب الحق فيها بعد الموت وكما يشترط المحل لابتداء الالتزام فكذلك يشترط المحل لبقاء الحق ولم يبق المحل فلا يبقى في أحكام الدنيا أيضا والكفيل إنما يلتزم المطالبة بما على الأصيل ولا يلتزم أصل الدين في ذمته ولم يبق في ذمة الأصيل شئ في أحكام الدنيا فلا تصح الكفالة وهذا الدين في حكم المطالبة دون دين الكتابة فالمكاتب يطالب بالمال وإن كان لا يحبس فيه ثم هناك الكفالة به لا تصح فهنا أولى بخلاف المفلس في حال الحياة فان ذمته محل صالح لوجوب الحق فيها ابتداء فبقي الواجب وبخلاف العبد أيضا فان له ذمة صالحة لوجوب الحق فيها وان ضعفت ذمته بسبب الرق وبخلاف ما إذا مات مليا فالمال هناك خلف عن الذمة فيما هو المقصود وهو المطالبة والاستيفاء لان الاستيفاء يكون من المال بجعل الأصل قائما حكما وهنا لم يبق حلف بعد موته مفلسا وتوهم أن يتبرع انسان بماله فيقضى عنه الدين لا يجعل مال الغير خلفا عن ذمته قبل جعل صاحبه وبخلاف ما إذا كان بالدين كفيل لان ذمة الكفيل هنا خلف عن ذمته وبعد صحة الكفالة قد يتحول الدين إلى ذمة الكفيل عند الضرورة وهو عند أداء الكفيل أو الهبة وقد تحققت الضرورة هنا فلهذا بقي الكفيل في الكفالة وكذلك الرهن خلف عن الذمة فيما هو المقصود وهو استيفاء الدين منه بقدر استيفائه من محل آخر وإذا قتل عمدا فقد قال بعض أصحابنا رحمهم الله لا تصح الكفالة عند أبي حنيفة رحمه الله وبعد التسليم يقول القصاص الواجب بفرض أن يصير مالا بعفو بعض الشركاء أو تمكن الشبهة فتوهم توجه المطالبة في الدنيا بقضاء ذلك الدين يجعل الذمة باقية حكما فتصح الكفالة لهذا المعنى والحديث المروى في الباب يحتمل أن يكون ذلك من أبى قتادة أو علي رضي الله عنهما اقرارا بكفالة سابقة فان لفظ الاقرار والانشاء في الكفالة سواء والعموم بحكاية الحال لا يثبت ويحتمل أن يكون وعدا منهما لا كفالة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتنع من الصلاة على الميت ليظهر طريق لقضاء ما عليه فلما ظهر الطريق لوعدهما صلى عليه لهذا (ألا ترى) انه ما روى أنه كأن يقول لعلي رضي الله عنه بعد ذلك ما فعل الديناران حتى قال يوما قضيتهما فقال صلى الله عليه وسلم الآن بردت عليه جلدته ولم يجبره على الأداء وبه يتبين انه كان وعدا لا كفالة والحديث الآخر شاذ ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم عرف أن لذلك الرجل مالا ولكنه ما كان ظاهرا عند الناس فلهذا ندبهم إلى الضمان عنه ليصلي
(١١٠)