المبسوط - السرخسي - ج ١٩ - الصفحة ٨٧
الآخر جاز لأنهما امتثلا أمره في القبض ثم لا يقدران على الاجتماع على حفظه آناء الليل والنهار وهو لا يحتمل التبعيض ليحفظ كل واحد منهما نصفه ولما استحفظهما على علمه بذلك فقد صار راضيا بترك أحدهما عند صاحبه ولكن إنما يعتبر هذا فيما يطول وهو استدامة الحفظ فأما في ابتداء القبض فيتحقق اجتماعهما عليه من غير ضرر فلهذا لا ينفرد به أحدهما وكما يجوز لأحدهما أو يودعه من الآخر يجوز لهما أن يودعاه عيال أحدهما لان يد عيال المودع في الحفظ كيد المودع كما إذا كان المودع واحدا وهذا لان المرء إنما يحفظ المال بيد عياله عادة وان وكل بقبضه رجلا أجنبيا فالذي كان عنده الوديعة ضامن إلا أن يصل إلى الوكيلين لان الحفظ يتفاوت فيه الناس لتفاوتهم في أداء الأمانة فلا يملك الوكيل بوكيل الأجنبي وصار تسليم المودع إلى الأجنبي بعد هذا التوكيل كتسليمه قبله فكان المودع ضامنا إلى أن يصل إلى الوكيلين فحينئذ وصوله إلى يدهما كوصوله إلى يد الوكيل في براءة الدافع له عن الضمان ولو وكل رجلا بقبض وديعته فقبض بعضها جاز لان الوديعة قد تكون بحيث لا يمكن حمل كلها جملة واحدة فيحتاج إلى أن يحملها شيئا فشيئا ولا ضرر على الموكل في قبض الوكيل بعضها إلا أن يكون أمره أن لا يقبضها الا جميعا فحينئذ لا يجوز له أن يقبض بعضها أو يصير ضامنا له لان الموكل قيد أمره ونهاه عن القبض الا بصفة فكل قبض لا يكون بتلك الصفة فهو قبض بغير إذن المالك فكان موجبا للضمان وان قبض ما بقي قبل أن يهلك الأول جاز القبض عن الموكل لأنه قد اجتمع الكل عند الوكيل واندفع ضرر التفريق عن الموكل فكأنه قبض الكل دفعة واحدة ولو وكله بعبد له يدفعه إلى فلان وديعة فاتاه فقال إن فلانا أستودعك هذا فقبله ثم رده على الوكيل فهلك فلرب العبد أن يضمن أيهما شاء لان الوكيل حين أضاف الايداع إلى الآمر فقد جعل نفسه رسولا وتبليغ الرسالة يخرج فكان هو في الاسترداد كأجنبي آخر فيصير المودع بالدفع إليه غاصبا وهو بالقبض كذلك فله أن يضمن أيهما شاء ولو قال له الوكيل قد أمرك فلان أن تستخدمه أو تدفعه إلى فلان ففعل فهلك العبد فالمستودع ضامن أن كان كذب الوكيل لأنه باستعمال ملك الغير بغير إذن المالك أو بدفعه إلى غيره يصير غاصبا ولا يضمن الوكيل شيئا لأنه لم يوجد منه فعل متصل بالعين إنما غره بخبره أو أخبره زورا وذلك غير موجب الضمان عليه كمن قال لغيره هذا الطريق آمن فسلكه فأخذ متاعه لم يضمن المخبر شيئا ولو وكله بقبض وديعة له عند فلان
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»
الفهرست