وجهان أحدهما انه يحمل على التقديم والتأخير فيجعل كأنه كفل بالمال في الحال ثم علق البراءة على الكفالة بالموافاة بنفسه والموافاة تصلح سببا للبراءة عما التزمه بالكفالة والتقديم والتأخير في الكلام صحيح فإذا أمكن في هذا الوجه تصحيح كلامه حمل عليه وللتحرز عن الغاية والثاني ان هذا متعارف فيما بين الناس فان رغبة الناس في الكفالة بالنفس أكثر منه بالكفالة بالمال فللطالب ان يرضى بأن يكفل بنفسه على أنه إن لم يواف به يكون كفيلا بالمال حينئذ وفيه يحصل مقصوده فإنه يجد في طلبه ليسلمه إلى خصمه فيتمكن من استيفاء الحق منه وإن لم يفعل يصير كفيلا بالمال فقد بينا ان سبب كفالته بالنفس هو المال الذي ادعاه قبله ويكون للحقين اتصال من هذا الوجه فإذا عين الكفالة بأحدهما وأخر الكفالة الثانية إلى وقت عدم الموافاة كان صحيحا وإذا لم يواف بنفسه حتى لزمه المال لا يبرأ من الكفالة بالنفس لأنه لا منافاة بين الكفالتين (ألا ترى) انه لو كفل بهما معا كان صحيحا وبعدما صحت الكفالة بالنفس لا يستفيد البراءة عنها إلا بالموافاة بالنفس ولم يوجد ذلك وكذلك أن كان قال فعلي مالك عليه ولم يسم كم هو جاز لان جهالة المكفول به لا تمنع صحة الكفالة فإنها مبنية على التوسع مع أن عين الجهالة لا تؤثر في العقد وإنما المؤثر جهالة تفضي إلى المنازعة (ألا ترى) ان بيع القفيز من الصبرة جائز فان جهالة القفيز لا تقتضي المنازعة وهنا الجهالة لا تفضي إلى المنازعة لان الحق الذي له عليه معلوم في نفسه وإن لم يكن معلوما فاعلامه بطريق ممكن فلهذا صحت الكفالة (ألا ترى) أنه لو قال كفلت لك ما أدركك في هذه الجارية التي اشتريت من درك كان جائزا وأصل لحوق الدرك وقدر ما يلحقه فيه من الدرك مجهول وقد اعتاد الناس الكفالة بهذه الصفة وكذلك لو قال كفلت لك بما أصابك من هذه الشجة التي شجك فلان وهي خطأ كان جائزا بلغت النفس أو لم تبلغ ومقدار ما التزمه بهذه الكفالة مجهول لأنه لا يدرى قدر ما يبقى من الشجة وانه هل يسرى إلى النفس أو لا يسرى فدل ان مثل هذه الجهالة لا تمنع الكفالة وكذلك لو قال كفلت بالمال الذي لك عليه ان وافيتك به غدا فان برئ منه كان جائزا عن المال إذا أسلم نفسه إليه في الغد لان ابراء الكفيل اسقاط محض والاسقاط بالتعليق بالشرط كالطلاق والعتاق ولان الموافاة بنفسه ممكنة للطالب من الوصول إلى حقه فيجعل ذلك قائما مقام وصول حق الطالب إليه في ابراء الكفيل ولكن هذه الإقامة تكون عند الشرط فلا تثبت بدون الشرط وإذا كفل رجل رجلا وقال إن لم أوافك به غدا فعلى ألف درهم ولم يقل
(١٧٧)