المبسوط - السرخسي - ج ٥ - الصفحة ٣٨
باب نكاح أهل الذمة (قال) رضى الله تعالى عنه اعلم أن كل نكاح يجوز فيما بين المسلمين فهو جائز فيما بين أهل الذمة لأنهم يعتقدون جوازه ونحن نعتقد ذلك في حقهم أيضا فان النبي صلى الله عليه وسلم قال بعثت إلي الأحمر والأسود وخطاب الواحد خطاب الجماعة فما توافقنا في اعتقاده يكون ثابتا في حقهم فاما ما لا يجوز بين المسلمين فهو أنواع منها النكاح بغير شهود فإنه جائز بين أهل الذمة يقرون عليه إذا أسلموا عندنا. وقال زفر رحمه الله تعالى لا يتعرض لهم في ذلك إلا أن يسلموا أو يترافعوا الينا فحينئذ يفرق القاضي بينهم لقوله تعالى وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ولأنهم بعقد الذمة صاروا منا دارا والتزموا أحكام الاسلام فيما يرجع إلى المعاملات فيثبت في حقهم ما هو ثابت في حقنا الا ترى ان حرمة الربا ثابتة في حقهم بهذا الطريق فكذلك حرمة النكاح بغير شهود ولكنا نقول نعرض عنهم لمكان عقد الذمة لا لأنا نقرهم على ذلك كما نتركهم وعبادة النار والأوثان على سبيل الاعراض لا على سبيل التقرير والحكم بصحة ما يفعلون ولا نعرض عنهم في عقد الربا لان ذلك مستثنى عن عقد الذمة قال صلى الله عليه وسلم الا من أربى فليس بيننا وبينه عقد ويروى عهد وكتب إلى بنى نجران اما ان تدعوا الربا أو فأدنوا بحرب من الله ورسوله وحجتنا في ذلك أن الاشهاد على النكاح من حق الشرع وهم لا يخاطبون بحقوق الشرع بما هو أهم من هذا ولان النكاح بغير شهود يجوزه بعض المسلمين ونحن نعلم أنهم لم يلتزموا أحكام الاسلام بجميع الاختلاف ثم من المنزل ان يترك أهل الكتاب وما يعتقدون الا ما استثني عليهم وان حكم خطاب الشرع في حقهم كأنه غير نازل لاعتقادهم خلاف ذلك الا ترى ان الخمر والخنزير يكون مالا متقوما في حقهم ينفذ تصرفهم فيهما بهذا الطريق فكذا ما نحن فيه بخلاف الشرك فان ذلك لم يحل قط ولن يحل قط وإذا انعقد انعقد فيما بينهم صحيحا بهذا الطريق فما بعد المرافعة والإسلام حال بقاء النكاح والشهود شرط ابتداء النكاح لا شرط البقاء فاما إذا تزوج ذمية في عدة ذمي جاز النكاح في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى حتى لا يفرق بينهما وان أسلما أو ترافعا وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يفرق لان النكاح في العدة مجمع على بطلانه فيما بين المسلمين فكان باطلا في حقهم أيضا ولكن لا نتعرض لهم لمكان عقد
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»
الفهرست