المبسوط - السرخسي - ج ٥ - الصفحة ٤٠
حلالا وإنما تنبني المالية على التمول وهم يتمولون ذلك فأما من ضرورة حرمة المحل بطلان النكاح وقد ثبتت الحرمة في حقهم كما بينا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لو تزوج مجوسية صح بالاتفاق والمجوسية محرمة النكاح بخطاب الشرع كذوات المحارم وإنما حكمنا بجوازه بينهم لان الخطاب في حقهم كأنه غير نازل فإنهم يكذبون المبلغ ويزعمون أنه لم يكن رسولا وقد انقطعت ولاية الالزام بالسيف أو بالمحاجة لمكان عقد الذمة فصار حكم الخطاب قاصرا عنهم وشيوع الخطاب إنما يعتبر في حق من يعتقد كون المبلغ رسولا فإذا اعتقدوا ذلك بأن أسلموا ثبت حكم الخطاب في حقهم فأما قبل ذلك لما قصر الخطاب عنهم بقي حكم المنسوخ في حقهم ما لم يثبت الناسخ كما بقي حكم جواز الصلاة إلى بيت المقدس في حق أهل قباء لما لم يبلغهم الخطاب بالتوجه إلى الكعبة فإذا ثبت حكم صحة الأنكحة بهذا الطريق يثبت به ما هو من ضرورة صحة النكاح كالنفقة وبقاء الاحصان وأما الميراث فليس استحقاق الميراث من ضرورة صحة النكاح فقد يمتنع التوارث بأسباب كالرق واختلاف الدين مع أن التوارث إنما يستحق الميراث على المورث بعد موته وحكم اعتقاده بخلاف الشرع سقط اعتباره بالموت لعلمنا أنه قد تيقن بذلك ولما أشار الله تعالى إليه في قوله وان من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته فلا يكون اعتقاد الوارث معتبرا في الاستحقاق عليه فلهذا لا يرثه بخلاف النفقة في حال الحياة وبقاء الاحصان إذا ثبتت هذه القاعدة فنقول عند أبي حنيفة ان رفع أحدهما الامر إلى القاضي وطلب حكم الاسلام لم يفرق بينهما إذا كان الآخر يأبى ذلك وعندهما يفرق بينهما لان أصل النكاح كان باطلا ولكن ترك التعرض كان للوفاء بعقد الذمة فإذا رفع أحدهما الامر وانقاد لحكم الاسلام كان هذا بمنزلة ما لو أسلم أحدهما ولو أسلم أحدهما فرق القاضي بينهما فكان اسلام أحدهما كاسلامهما فكذلك رفع أحدهما إليه كمرافعتهما وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول أصل النكاح كان صحيحا فرفع أحدهما إلى القاضي ومطالبته بحكم الاسلام لا يكون حجة على الآخر في ابطال الاستحقاق الثابت له باعتقاده بل اعتقاده يكون معارضا لاعتقاد الآخر فبقي حكم الصحة على ما كان بخلاف ما إذا أسلم أحدهما فان الاسلام يعلو ولا يعلى فلا يكون اعتقاد الآخر معارضا لاسلام المسلم منهما وبخلاف ما إذا رفعا لأنهما انقادا لحكم الاسلام فيثبت حكم الخطاب في حقها بانقيادهما له واليه أشار الله تعالى في قوله فان جاؤوك فاحكم بينهم فتكون مرافعتهما كاسلامهما وبعد
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»
الفهرست