والحاصل ان من بمكة حلال إذا أراد الاحرام بالحج يحرم من الحرم وإذا أراد الاحرام بالعمرة يحرم من الحل لان موضع أداء الأفعال غير موضع الاحرام وركن العمرة الطواف وهو مؤدى في الحرم فالاحرام بها يكون في الحل ومعظم الركن في الحج الوقوف وهو في الحل فالاحرام به يكون في الحرم (قال) وان شاء أحرم بالحج قبل يوم التروية وما قدم احرامه بالحج فهو أفضل لان فيه إظهار المسارعة والرغبة في العبادة ولأنه أشق على البدن وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها إنما أجرك على قدر نصبك ولما سئل عن أفضل الأعمال قال أحمزها (قال) ويروح مع الناس إلى منى فيبيت بها ليلة عرفة ويعمل على ما وصفناه في الحج في حق المفرد غير أن عليه دم المتعة يوم النحر بعد رمى جمرة العقبة لقوله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى ثم يحلق بعد الذبح ويزور البيت فيطوف به أسبوعا يرمل في الثلاثة الأول ويمشى في الأربعة الأواخر على هينته ويصلى ركعتين ويسعى بين الصفا والمروة على قياس ما بيناه في الحج لان هذا أول طواف يأتي به في الحج وقد بينا أن الرمل في أول طواف الحج سنة والسعي عقيب أول طواف في الحج وهذا بخلاف المفرد لأنه طاف للقدوم في الحج هناك وسعى بعده فلهذا لا يرمل في طواف يوم النحر ولا يسعى بعده ولو كان هذا المتمتع بعد ما أحرم بالحج طاف وسعى قبل أن يروح إلى منى لم يرمل في طواف الزيارة يوم النحر ولم يطف بين الصفا والمروة أيضا لأنه قد أتى بذلك في الحج مرة وإن كان حين اعتمر في أشهر الحج ساق هديا للمتعة فينبغي له أن يقلد هديه لقوله تعالى لا تحلوا شعائر الله إلى قوله ولا القلائد ولكن السنة أن يقلد الهدى بعد ما يحرم بالعمرة لأنه لو قلد الهدى قبل الاحرام وساقه بنية الاحرام صار محرما هكذا روى عن ابن عباس رضي الله عنهما وفى سياق الآية ما يدل عليه لأنه بعد ذكر القلائد قال وإذا حللتم فاصطادوا فدل أنه بالتقليد يصير محرما والأولى أن يحرم بالتلبية فلهذا كان الأفضل أن يلبى أولا ثم يقلد هديه فإذا طاف للعمرة وسعى أقام حراما لان سوق هدى المتعة يمنعه من التحلل بين النسكين على ما قال صلى الله عليه وسلم لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدى ولجعلتها عمرة وتحللت منها وقال في حديث آخر أما إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أنحر فإذا كانت عشية التروية أحرم بالحج وان أحب أن يقدم الاحرام ويطوف بالبيت والصفا والمروة لحجته فعل كما بينا في المتمتع الذي
(٣٢)