المبسوط - السرخسي - ج ١ - الصفحة ٩٣
حتى يصب عليه الماء أو يغسل في الماء الجاري. وجه الاستحسان قوله صلى الله عليه وسلم طهور اناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله ثلاثا فتبين بهذا الحديث أن الاناء النجس يطهر بالغسل من غير حاجة إلى تقوير أسفله ليجرى الماء على النجاسة. والمعنى فيه أن الثياب النجسة يغسلها النساء والخدم عادة وقد يكون ثقيلا لا تقدر المرأة على حمله لتصب الماء عليه والماء الجاري لا يوجد في كل مكان فلو لم يطهر بالغسل في الأجانات أدى إلى الحرج. ثم النجاسة على نوعين مرئية وغير مرئية. ثم المرئية لا بد من إزالة العين بالغسل وبقاء الأثر بعد زول العين لا يضر هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دم الحيض حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه ولا يضرك بقاء الأثر ولأن المرأة إذا خضبت يدها بالحناء النجس ثم غسلته تجوز صلاتها ولا يضرها بقاء أثر الحناء وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى يقول بعد زوال عين النجاسة يغسل مرتين لأنه التحق بنجاسة غير مرئية غسلت مرة فأما النجاسة التي هي غير مرئية فإنها تغسل ثلاثا لقوله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدرى أين باتت يده فلما أمر بالغسل ثلاثا في النجاسة الموهومة ففي النجاسة المحققة أولى وهذا مذهبنا وعلى قول الشافعي رضي الله عنه العبرة بغلبة الرأي فيما سوى ولوغ الكلب حتى أن غلب على ظنه أنه طهر بالمرة الواحدة يكفيه ذلك لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم ثم اغسليه فلا يشترط فيه العدد ولكنا نقول غلبة الرأي في العام الغالب لا تحصل الا بالغسل ثلاثا وقد تختلف فيه قلوب الناس فأقمنا السبب الظاهر مقامه تيسيرا وهو الغسل ثلاثا * قال وان أصابت النجاسة عضوا من أعضائه فأبو يوسف رحمه الله تعالى أخذ فيه بالقياس فقال لا يطهر بالغسل في الأجانات لان صب الماء عليه ممكن من غير حرج ولان استعمال الماء في العضو في تغير صفة الماء أقوى منه في الثوب فان العضو الطاهر إذا غسل بالماء الطاهر صار مستعملا بخلاف الثوب الطاهر فلا يمكن قياس العضو على الثوب ومحمد رحمه الله تعالى سوى بين الثوب والعضو في أنه يطهر بالغسل في الأجانات وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى قال لان الضرورة تحققت في بعض الأعضاء فان من دمى أنفه أو فمه لا يمكنه صب الماء عليه حتى يشرب الماء النجس أو يعلو على دماغه وفيه حرج بين فأخذنا بالاستحسان في العضو كما أخذنا به في الثوب. ثم ماء الأجانات كلها نجس ولأن النجاسة تحولت إلى الماء (فان قيل) جزء من الماء
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»
الفهرست