المبسوط - السرخسي - ج ١ - الصفحة ٤٠
ذلك قال فلهذا اتبعتك حين جذبتني (وروى) ان عمار بن ياسر رضى الله تعالى عنه قام بالمدائن على دكان يصلى بأصحابه فجذبه حذيفة رضى الله تعالى عنه فلما فرغ قال أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن هذا قال لقد تذكرت ذلك حين جذبتني، وفى قيامه على الدكان تشبه باليهود واظهار التكبر على القوم وذلك مكروه فإن كان الامام على الأرض والقوم على الدكان فذلك مكروه في رواية الأصل لان فيه استخفافا من القوم لأئمتهم. وفى رواية الطحاوي هذا لا يكره لأنه مخالف لأهل الكتاب وكذلك إن كان مع الامام بعض القوم لم يكره ولم يبين في الأصل حد ارتفاع الدكان (وذكر) الطحاوي أنه ما لم يجاوز القامة لا يكره لان القليل من الارتفاع عفو ففي الأرض هبوط وصعود والكثير ليس بعفو فجعلنا الحد الفاصل أن يجاوز القامة لان القوم حينئذ يحتاجون إلى التكلف للنظر إلى الامام وربما يشتبه عليهم حاله * قال (ويجوز إمامة الأعمى والأعرابي والعبد وولد الزنا والفاسق وغيرهم أحب إلي) والأصل فيه أن مكان الإمامة ميراث من النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أول من تقدم للإمامة فيختار له من يكون أشبه به خلقا وخلقا ثم هو مكان استنبط منه الخلافة فان النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أبا بكر أن يصلي بالناس قالت الصحابة بعد موته انه اختار أبا بكر لامر دينكم فهو المختار لامر دنياكم فإنما يختار لهذا المكان من هو أعظم في الناس (وتكثير الجماعة مندوب إليه) قال عليه الصلاة والسلام صلاة الرجل مع اثنين خير من صلاته وحده وصلاته مع الثلاثة خير من صلاته مع اثنين وكلما كثرت الجماعة فهو عند الله أفضل وفى تقديم المعظم تكثير الجماعة فكان أولى.
إذا ثبت هذا فنقول تقديم الفاسق للإمامة جائز عندنا ويكره وقال مالك رضى الله تعالى عنه لا تجوز الصلاة خلف الفاسق لأنه لما ظهرت منه الخيانة في الأمور الدينية فلا يؤتمن في أهم الأمور ألا ترى أن الشرع أسقط شهادته لكونها أمانة (ولنا) حديث مكحول ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الجهاد مع كل أمير والصلاة خلف كل امام والصلاة على كل ميت وقال صلى الله عليه وسلم صلوا خلف كل بر وفاجر ولان الصحابة والتابعين كانوا لا يمتنعون من الاقتداء بالحجاج في صلاة الجمعة وغيرها مع أنه كان أفسق أهل زمانه حتى قال الحسن رحمه الله تعالى لوجاء كل أمة بخبيثاتها ونحن جئنا بأبي محمد لغلبناهم وإنما يكره لان في تقديمه تقليل الجماعة وقلما يرغب الناس في الاقتداء به وقال أبو يوسف في
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»
الفهرست