مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٨ - الصفحة ٢٥٥
بلفظها. قال في أثناء المسألة الخامسة من رسم الصبرة من سماع يحيى: قال ابن القاسم: لو أن أربعة نفر شهد منهم رجلان على رجل أنه طلق امرأته وشهد الآخران أنه لم يتفوه في مجلسه ذلك بشئ من الطلاق ولكنه حلف بعتق غلام له سمياه، لم أر لهم شهادة أجمعين في طلاق ولا عتاق لان بعضهم أكذب بعضا وهو الذي سمعناه قال: وإن اختلفوا فقال بعضهم نشهد أنه طلق امرأته فلانة أو أعتق غلامه فلانا، وقال الآخر نشهد أنه ما ذكر امرأته فلانة حتى تفرقنا وما حلف بطلاقها ولكنه حلف بطلاق امرأته فلانة يريد امرأة أخرى، أو قال نشهد ما أعتق الذي شهدتم له بالعتاقة ولكنه أعتق فلانا غلاما آخر، فإن الشهادة تبطل وتسقط من قول الأولين والآخرين في العتاق والطلاق على هذا النحو، لان بعضهم أكذب بعضا انتهى. وذكر ابن رشد في شرحها ما نقله ابن عرفة عنه فتأمله منصفا والله أعلم بالصواب.
فرع: قال ابن عرفة في كتاب الشهادات في تعارض البينتين: قال في نوازل سحنون في كتاب الشهادات: إن شهدت بينة بقتل زيد عمرا يوم كذا وبينة بأنه كان ذلك اليوم ببلد بعيد عن موضع القتل قضى ببينة القتل. قال ابن رشد: هذا مشهور المذهب وقاله أصبغ. وقال إسماعيل القاضي: يقضى ببينة البراءة إن كانت أعدل، وإن كانتا في العدالة سواء طرحتا. وقاله ابن عبد الحكم انتهى.
قلت: قال ابن رشد في شرح هذه المسألة: قال ابن عبد الحكم في أدب القضاء الذي كنت أسمع فيما كنا نتناظر عليه مع أصحابنا أن شاهدين لو شهدا على رجل أنه أقر عندهم بعرفات يوم عرفة من العام الفلاني لرجل بمائة دينار، وشهد آخر أنه كان عندهم بمصر في ذلك اليوم بعينه أن شهادة الذين شهدوا عليه بالمائة أحق وأولى قالوا: لان هذين شهدوا بحق ولم يشهد الآخران بحق، ولست أعرف هذا المعنى، والذي أرى إن كان الشاهدان اللذان شهدا أنه كان بمصر في ذلك الوقت أعدل أن لا يكون له شئ. ألا ترى أنه لو شهدا على رجل بحق أقر به عندهما في سنة مائتين وشهد شاهدان أعدل منهما أنه مات قبل ذلك بشهر أنه جرحة ولو كانتا في العدالة سواء لطرحتهما، وكذلك لو شهدوا أنه ولد بعد المائتين. قال ابن رشد:
لكلا القولين وجه وحظ من النظر وستأتي هذه الكلمة في نوازل أصبغ فنتكلم عليها انتهى.
قلت: زاد في النوادر عن المجموعة وكتاب ابن سحنون ما نصه: قال سحنون: إلا أن يشهد مثل أهل الموسم في جماعتهم أنه أقام لهم الحج ذلك اليوم أو أهل مصر أنه صلى بهم العيد ذلك اليوم فيبطل القتل، لان أهل الموسم لا يجتمعون على الغلط ولا يشتبه عليهم وقد يشتبه على الشاهدين وأكثر من ذلك.
قلت: ذكره لأهل الموسم وأهل مصر يقتضي أنه لا ترد شهادة الشاهدين إلا بمثل ذلك العدد، والظاهر أنه ليس مقصودا لذاته. فإن شهد جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب،
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 ... » »»
الفهرست