على القول بجوازه مطلقا في تحبيس المشاع واضح، وعلى وقفه على إذن شريكه فيه نظر. قال:
وأشد ما على المنكر الحلف على أنه لا يعرف أن المحبس حبس عليهم.
قلت: يريد إن كان ممن يظن به العلم. قال: وليس له رد اليمين لان الحبس لا يملك ملك المبيع لان مصيره للأعقاب والمرجع ولا يحلف أحد عن أحد، ولو نكل إذا ردت اليمين عليه لم يبطل الحبس عليه بنكوله، فهذه وجوه تمنع رد اليمين في الحبس. والباجي: اختلف هل على المنكر يمين؟ فقال بعضهم: عليه اليمين. وبعضهم: لا يمين عليه. ابن زرب: نزلت في رجل حبس مالا وثبت حوزه فادعى بعض ورثته أن الحبس رجع إليه وسكن فيه حتى مات وأراد تحليف المحبس عليهم فقلت: لا يمين عليهم. وقال بعض فقهاء عصرنا: عليهم اليمين، وهو عندي خطأ انتهى. وقول ابن الحاجب والمقابر نقله ابن عرفة عن اللخمي ثم قال: يريد بالمقابر المتخذة حيث يجوز اتخاذها. سمع ابن القاسم ثم ذكر كلام السماع مختصرا. ولنأت بالسماع من أصله ونصه: وسئل عن فناء قوم كانوا يرمون فيه وفيه عرض لهم ثم إنهم غابوا عن ذلك فاتخذ مقبرة ثم جاؤوا فقالوا نريد أن نسوي هذه المقابر ونرمي على حال ما كنا نرمي فقال مالك: أما ما قدم منها فأرى ذلك لهم، وأما كل شئ جديد فلا أحب لهم درس ذلك.
ابن رشد: أفنية الدور المتصلة بطريق المسلمين ليست بملك لأرباب الدور كالأملاك المحوزة التي لأربابها تحجيرها على الناس لما للمسلمين من الارتفاق بها في مرورهم إذا ضاق الطريق عنهم بالأحمال وشبهها إلا أنهم أحق بالانتفاع بها فيما يحتاجون إليه من الرمي وغيره، فمن حقهم إذا اتخذت مقبرة في مغيبهم أن يعودوا إلى الانتفاع بالرمي فيها إذا قدموا إلا أنه كره لهم درسها إذا كانت جديدة مسنمة لم تدرس ولا عفت لما في درس القبور، وروي أن رسول الله (ص) قال لان يمشي أحدكم على الرضف خير له من أن يمشي على قبر أخيه.
وقال إن الميت يؤذيه في قبره ما يؤذيه في بيته. وقال ابن أبي زيد: إنما يكره درسها لأنها من الأفنية، ولو كانت من الأملاك المحوزة لم يكره ذلك وكان لهم الانتفاع بظاهرها. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: واروا في باطنها وانتفعوا بظاهرها. قال ابن رشد:
ولو كانت من الأملاك المحوزة قد دفن فيها بغير إذنهم لكان من حقهم نبشهم منها وتحويلهم إلى مقابر المسلمين، وقد فعل ذلك بقتلى أحد لما أراد معاوية إجراء العين التي إلى جانب أحد، أمر مناديا فنادى في المدينة: من كان له قتيل فليخرج إليه وينبشه وليحوله. قال جابر: فأتيناهم فأخرجناهم من قبورهم رطابا لينين انتهى. ابن عرفة: في استدلاله بفعل معاوية نظر، لان قتلى أحد ما أقبروا إلا حيث جاز إقبارهم. واستدلاله بإخراجهم يوهم كون القبر غير حبس والأقرب أنه فعله لتحصيل منفعة عامة حاجية حسبما يأتي في بيع الحبس لتوسعة جامع الخطبة. ولابن عات: سأل بعضهم: أيجوز حرث البقيع بعد أربعين سنة دون دفن فيه وأخذ ترابه للبناء؟ قال:
الحبس لا يجوز أن يتملك انتهى. ولم يظهر لي في تعقيب ابن عرفة وجلبه لهذا الكلام كبير