تقبل منه بعد الانكار. وقيل: إنما تقبل منه في الأصول ولا تقبل منه في الحقوق وهو قول ابن كنانة وابن القاسم في المدونة قالا: ولو أن رجلا ادعى أرضا في يد رجل فقال مالك عندي أرض وما علمت لك أرضا قط فأقام البينة أنها أرضه وأثبتها ثم أقر الذي هي في يديه فقال نعم هي والله أرضك ولكن قد اشتريتها منك وأقام بشرائه بينة: فإن اشتراءه لذلك يقبل منه وتكون له الأرض ولا يضره إنكاره، أو لأنه يقول كان والله حوزي ينفعني أصنع بالأرض ما شئت فأبيت أن أقر أنها له فيكون على العمل فكرهت أن أعنت في ذلك فإذا قد احتجت إلى شرائي بعد أن أثبتها فهذا شرائي قالا: فذلك له وليس مثل الذي ادعى عليه الحق فجحده. وأدخل ذلك ابن أبي زيد في النوادر ومن المجموعة قال: وسواء أقام بينة بشراء من المدعي أو من أبيه لأنه يقول رجوت أن حيازتي تكفيني وليس ذلك سأل الدين. وقيل: إن ذلك لا يقبل منه إلا في اللعان إن ادعى رؤية بعد إنكاره القذف وأراد أن يلاعن، وكذلك ما أشبه اللعان من الحدود وهو قول محمد بن المواز. وقيل: إن ذلك لا يقبل منه في اللعان وهو قول غير ابن القاسم في المدونة أنه يحد ولا يلاعن. فتحصل في المسألة أربعة أقوال: أحدها أن ذلك لا يقبل منه ما أتى به بعد الجحود في شئ من الأشياء وهو قول غير ابن القاسم، هذا في اللعان لأنه إذا لم يقبل منه ذلك في اللعان فأحرى أن لا يقبله فيما سواه من الديون والأصول. والثاني أن يقبل منه ما أتى به بعد الجحود في جميع الأشياء. والثالث ما ذهب إليه ابن المواز من الفرق بين الحدود وما سواها من الأشياء. والرابع أنه يقبل منه ما أتى به في الأصول أو الحدود ولا يقبل منه ذلك في الحقوق من الديون وشبهها، وهو الذي يأتي على ما في المدونة لابن كنانة وابن القاسم لأنه إذا قبل منه ما أتى به بعد الجحود في الأموال فأحرى أن يقبل منه ذلك في الحدود انتهى.
وحكى ابن عرفة كلام ابن رشد في كتاب الوديعة. وأما في باب الوكالة فاقتصر على أنه لا تقبل بينته وقال: تمامها في الوديعة. وذكر في باب القراض كلام ابن رشد وقال في باب الوديعة: الشيخ قال ابن حبيب عن القاسم وأشهب والأخوين: من أودع وديعة ببينة ثم جحدها ثم أقام بردها بينة أنه ضامن لأنه أكذب بينته بجحدها. يريد إن قال ما أودعتني شيئا، ولو قال مالك عندي من هذه الوديعة شئ نفعته بينته انتهى. ثم قال ابن عرفة في آخر كلامه عن اللخمي: وإن قال أودعتني مائة درهم ثم قال لم أقبضها لم يصدق، ولو قال اشتريت منك ثوبا ثم قال لم أقبضه قبل قوله مع يمينه لان أودعتني يدل على القبض والشراء يقع على العقد انتهى.
تنبيه: ما ذكره ابن عرفة عن الشيخ ابن أبي زيد من التفرقة بين قوله ما أودعتني شيئا فلا تسمع بينته وبين قوله ما لك عندي من هذه الوديعة شئ فتسمع بينته ظاهر وهو جار في جميع مسائل هذا الباب، فقد قال ابن فرحون في الباب السادس والخمسين من القسم الثاني من تبصرته: من ادعى على رجل دينا من سلف أو قراض أو وديعة أو بضاعة أو رسالة