ويتحصل في فتح الرجل بابا أو حانوتا في مقابلة باب جاره في الزقاق النافذ ثلاثة أقوال: أحدها أن ذلك له جملة من غير تفصيل وهو قول ابن القاسم في المدونة وقول أشهب هاهنا. والثاني أن ذلك ليس له جملة من غير تفصيل إلا أن ينكب، وهو قول سحنون ورواه عنه ابنه محمد وابن حبيب. والثالث أن ذلك له إذا كانت السكة واسعة، وهو قول ابن وهب هاهنا. والسكة الواسعة ما كان فيها سبعة أذرع فأكثر لما جاء أن رسول الله (ص) قال: الطريق الميتاء سبعة أذرع وقع ذلك في مسند ابن أبي شيبة من رواية ابن عباس. فوجب أن يكون ذلك حد سعة الطريق انتهى. ونقله الشيخ أبو الحسن في شرح كلام المدونة السابق وقال فيه:
إلا بإذن جميع أهل الزنقة. وهذه اللفظة يستعملها المغاربة بمعنى الزقاق وليست في كلام ابن رشد وقال في الصحاح: الزنقة السكة الضيقة انتهى. والقول الذي عزاه لابن زرب في السكة الغير النافذة عزاه أبو إسحاق لابن القاسم في كتاب البيان لسحنون ونصه: قال في كتاب البنيان: قال ابن القاسم: ليس لك في زقاق غير نافذ أن تفتح بابا أو تقدمه. ثم قال: وقال سحنون: لا تفتح في غير النافذة شيئا بحال إلا أن يرضى الجماعة.
تنبيهات: الأول: تقدم أن ظاهر كلام المصنف أن له أن يفتح الباب في السكة النافذة ولو كان في مقابلة باب جاره، وسواء كانت السكة واسعة أو ضيقة، وهذا ظاهر كلام المدونة السابق. وصرح ابن رشد بأن ذلك قول ابن القاسم في المدونة فإنه عزا القول بالتفصيل بين الواسعة والضيقة لابن وهب كما تقدم في كلامه. وقال قبله: إن قول ابن وهب يخالف قول ابن القاسم وروايته عن مالك في آخر كتاب القسمة إذ لم يشترط في المدونة سعة السكة.
وعلى كلام ابن رشد اعتمد المصنف وصاحب الشامل فقال في الأمور التي لا يمنع منها ولا من باب بسكة نافذة وإن ضاقت عن سبعة أذرع على الأصح، وثالثها إن نكب عن باب جاره وإلا فلا انتهى. إلا أنه قد يتبادر من كلام صاحب الشامل أن مقابل الأصح أنه يمنع من فتح الباب في السكة النافذة ولو كانت أكثر من سبعة أذرع وليس كذلك فتأمله.
وأما المتيطي فجعل قول ابن وهب في العتبية مقيدا لما في المدونة فقال: وأما فتح الأبواب في المحاج النافذة، فروى ابن القاسم عن مالك قولا مجملا أن ذلك مباح لمن شاء، ويؤمر أن ينكب قليلا عن مقابلة باب دار جاره إلا أن تكون السكة واسعة جدا حتى لا يرى من الباب المفتوح إلا ما يرى من سلك الطريق فله أن يفتحه كيف شاء. وقال قبله: من فتح بابا في سكة نافذة فمنعه جاره وزعم أن في ذلك ضررا على جاره وشهدت البينة بأن الزقاق ضيق وأن من في أسطوان أحدهما بنظر من في أسطوان الآخر، فإنه يحكم بغلق الباب المحدث. وكلام ابن رشد السابق يقتضي أنه مذهب المدونة أنه لا يمنع من فتح الباب في الزقاق النافذ ولو كان من في أسطوان إحداهما ينظر من أسطوان في الأخرى. وجواب ابن رشد في نوازله يقتضي أنه راعى ما في العتبية فإنه ذكر في مسائل الدعوى والخصومات من نوازله أنه