غصبه لذلك الموضع الذي عملت فيه السجادة لأنه ليس له أن يحجره وليس لأحد فيه إلا موضع صلاته، ومن سبق كان أولى، ولا نعلم أحدا يقول إن السبق للسجادة وإنما هو لبني آدم فيقع في الغصب لكونه منع ذلك المكان ممن سبقه. ومنها تخطيه لرقاب المسلمين وقد نص النبي (ص) على أن فاعل ذلك مؤذ وقد ورد كل مؤذ في النار انتهى. وظاهر كلام القرطبي في تفسيره في سورة المجادلة إنه يستحق السبق بذلك فإنه قال: إذا أمر إنسان إنسانا أن يبكر إلى الجامع فيأخذ له مكانا يقعد فيه، فإذا جاء الآمر يقوم له المأمور لا يكره لما روي أن ابن سيرين كان يرسل غلامه إلى مجلس له في يوم الجمعة فيجلس فيه، فإذا جاء قام له منه. ثم قال:
فرع: وعلى هذا من أرسل بساطا أو سجادة فتبسط له في موضع من المسجد انتهى.
ونقله الشيخ عبد الله بن فرحون في تاريخ المدينة محتجا به.
قلت: وتخريجه إرسال السجادة على إرسال الغلام غير ظاهر، والصواب ما قاله في المدخل وإن السبق لا يستحق بها وهذا أسلم من تخطي رقاب الناس إليها، وأما مع ذلك فلا يشك في المنع.
فرع: قال القرطبي: إذا قعد أحد من الناس في موضع من المسجد لا يجوز لغيره أن يقيمه حتى يقعد مكانه انتهى.
فرع: قال القرطبي: إذا قام القاعد في مكان من المسجد حتى يقعد غيره فيه نظر، فإن كان الموضع الذي قام إليه مثل الأول في سماع الامام لم يكره له ذلك، وإن كان أبعد كره له ذلك لان فيه تفويت حظه انتهى.
فرع: قال ابن فرحون في تاريخ المدينة الشريفة: قال علماؤنا: يستحب للقاضي والعالم والمفتي اتخاذ موضع من المسجد حتى ينتهي إليه من أرادهم، وبذلك قال علماء الحنفية. ونقل في المدارك أن مالكا رحمه الله تعالى كان له موضع في المسجد وهو مكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وهو المكان الذي كان يوضع فيه فرش النبي (ص) إذا اعتكف. ثم قال: وفي إقليد التقليد لابن أبي جمرة: إن اتخاذ العلماء المساطب والمنابر في المسجد جائز للتعليم والتذكير أحق بذلك، وما في جوامع مصر من ذلك، ولم ينكره أهل العلم دليل على ذلك وأما موضع لطلب الأجرة كالمعلمين فلا يكونون أحق بذلك بل ينبغي إزالتها، وكذلك إن وضع للعالم في موضع حصير فهو أحق بذلك وإن تأخر حتى سبقه غيره ويراعى في ذلك حق من يقصد العلماء فيجدهم في مكانهم انتهى والله أعلم. ص: (وبسد كوة فتحت أريد سدها