الجيران إلا بعد عشرين سنة. قال: إذا صحت البينة فليرد ذلك إلى الزقاق ولا تحاز الأزقة. وفي موضع آخر: إن كان ضرر ذلك بينا ولا عذر للبينة في ترك القيام فهي جرحة، وهذا كله لم يقف القوم عليه ولا بلغهم مطالعته، ولو علموه لنقلوه وآثروا ذكروه، وقول محمد بن غالب والعجب من الذي اختار قول أصبغ كيف فارق قول عمر، هو أعجب مما تعجب منه لأنه تكلم بغير تدبر وأنكر قبل أن يفكر، لان قول أصبغ قد رواه عن أشهب فصار ذلك مختارا لقولهما، وقول أصبغ وروايته عن أشهب ينضاف إليها ما ذكر لابن سمعان عمن أدرك من العلماء ويوشك أن يكونوا من التابعين مع اختلاف قول مالك في هذا الأصل. ومن استظهر بهذا كله في جوابه لا يتسع عليه في مخالفة عمر رضي الله عنه لان هؤلاء كلهم لم يخالفوه إلا إلى أصل اجتمعوا على القول به إلا عن علم مع أن حديث عمر وجواب أصبغ ومن وافقه مختلف المعنى في الظاهر، لان المعهود في طريق الأسواق أن فيها الضيق في ساحتها على أن ينتقص منها وهي مجتمع الناس، فهم يحتاجون إلى حيث يجولون ويتصرفون، وكذلك في حديث عمر إنه قال حين أمر بهدم الكير يضيقون على الناس، والطريق في مسألة أصبغ كان واسعا ظاهر الاتساع غير مضر بالمارة، وكان الاستحسان عنده لمن تزيد من مثل هذا الطريق أن يترك لئلا يفسد عليه ما بنى ويذهب إنفاقه باطلا، ولعله كان مضطرا إلى ذلك لضيق ساحة داره وتقصيرها عما يقوم به في مسكنه، فالمختار على هذا غير مخالف بل هو مجتهد في النظر واضع للاستحسان في موضعه والله ولي التوفيق. انتهى كلام ابن سهل بلفظه.
تنبيهان: الأول: تحصل من هذا ما تقدم في كلام ابن رشد أنه اتفق مالك وأصحابه أنه لا يجوز لاحد ابتداء أن يقتطع من الطريق شيئا ويدخله في بنيانه وإن كان الطريق واسعا جدا لا يضره ما اقتطع منه، فإن اقتطع منها شيئا وأدخله في بنيانه فإن كان مما يضر بها ويضيقها على المارة هدم عليه ما تزيد منها وأعيدت إلى حالها بلا خلاف، وإن كان مما لا يضر بها ولا يضيقها على المارة فاختلف في ذلك على قولين: الأول: أنه يهدم عليه ما تزيد منها وتعاد إلى حالها وهو الذي شهره المصنف. والثاني: أنه لا يهدم عليه ما تزيد منها إذا كان ذلك لا يضر بها ولا يضيقها على المارة لسعتها، واستظهره ابن رشد في البيان ورجحه في نوازله وهو المشار إليه ب " لو " في قول المصنف ولو لم يضر والله أعلم.
الثاني: إن قيل: قول ابن رشد في أول كلامه اتفق مالك وأصحابه فيما علمت أنه لا يجوز لاحد أن يقتطع من طريق المسلمين شيئا إلى آخر كلامه السابق، يناقضه قوله في آخر كلامه في البيان بعد استظهاره للقول بعدم الهدم، لا سيما من أهل العلم من يبيح له ذلك ابتداء واستشهاده على الجواز ابتداء بما في المجموعة من رواية ابن وهب عن ابن سمعان عمن أدرك من العلماء بما قالوه في الطريق، يريد أهلها بنيان عرصتها إذا مقتضى ذلك وجود الخلاف في البناء ابتداء، وكذا قوله في نوازله بعد ترجيحه للقول بعدم الهدم إذ من أهل العلم من يبيح