قال ابن رشد: هذا من قول أصبغ وروايته عن أشهب خلاف ما مضى قبل هذا في سماع زونان، وقد مضى القول على ذلك هناك مجودا مستوفي فلا وجه لإعادته. هنا وبالله التوفيق. ويشير بذلك لكلامه المتقدم ونقل ابن عرفة كلام ابن رشد المتقدم مختصرا فقال:
قال ابن رشد: ولا يباح لذي الفناء أن يدخله في داره، فإن فعل وهو يضر بالطريق هدم عليه ورد كما كان، وإن كان لا يضر ففي هدمه قولان: لسماع زونان ابن وهب مع أشهب، وأصبغ مع سماعه من أشهب، والقائلون بالأول أكثر والثاني أظهر انتهى. وقد استوفى ابن سهل في أحكامه الكبرى الكلام على هذه المسألة في مسائل الاحتساب في ترجمة الاحتساب على ابن السليم فيما اقتطعه من المحجة وضمه إلى جنته. وذكر النازلة بقرطبة التي أشار إليها ابن رشد في كلامه المتقدم، وذكر فتاوى المشايخ الذين ذكرهم ابن رشد وغيرهم ولم يخرج أحدا منهم في استدلاله عن مسألة العتبية، وقد نقل في أثناء جواب يحيى بن عبد الله بن يحيى عن محمد بن أصبغ أن أباه أصبغ رجع عن قوله أنه لا يهدم ما لا يضر إلى أنه يهدم ونصه وحدثني محمد بن أصبغ بن الفرج أن أباه أصبغ رجع عن قوله فيمن اقتطع من أفنية المسلمين شيئا وأدخله في داره أنه إذا كان واسعا رحراحا أنه لا يهدم، فرجع عذلك وقال: ويهدم ويرد إلى حالته. وقال: إن الأفنية والطريق كالأحباس للمسلمين لا يجوز لاحد أن يحدث فيها حدثا إلا من ضرورة واضطر إلى ذلك، ثم نقل عن ابن غالب في أثناء جوابه ما نصه: ورأيت بعض أصحابنا قد ذهب إلى اختيار قول أصبغ أنه لا يهدم على المقتطع من طريق المسلمين ما اقتطع إذا كان الطريق واسعا رحراحا فاختار برأيه ما رآه صوابا، والذي نراه والله نسأله التوفيق اتباع قول المتقدمين يعني الهدم وهو إلى التوفيق أقرب إن شاء الله. والعجب من الذي اختار قول أصبغ كيف فارق قول عمر المعروف عنه وما علمته أرخص فيها لاحد قط، وما أظن به إلا أنه اجتهد والله نسأله التوفيق. ثم قال في آخر كلامه بعد ذكر أجوبتهم: وقد ذكر ابن حبيب رحمه الله هذه المسألة في كتابه بأحسن مساق وأقرب ألفاظ وأبين معان مما وقع في العتبية، ولم يذكر ذلك كل واحد ولا خرجوا عما في العتبية، فدل على مغيب ما في كتاب ابن حبيب عنهم وعزوبه عن ذكرهم ورأيت نقله إذ فيه تتميم لمسألتهم.
قال ابن حبيب: سألت مطرفا وابن الماجشون عن الرجل يبني أبرجة في الطريق ملصقة بجداره، هل يمنع من ذلك ويؤمر بهدمها إذا فعل ذلك؟ فقالا لي: نعم ليس له أن يحدث في الطريق شيئا ينتقصه به وإن كان ما أبقى من الطريق واسعا لمن سلكه. قال ابن حبيب: وسألت أصبغ بن الفرج عن ذلك فقال لي: إن له ذلك إذا كان ما وراءها من الطريق واسعا. قال لي أصبغ: وذلك أن عمر بن الخطاب قضى بالأفنية لأرباب الدور وقال لي: فالأفنية دون الدور كلها مقبلها ومدبرها ينتفعون بها ما لم تضيق طريقا أو يمنع ما يضر بالمسلمين، فإذا كان لهم