لو كان ممنوعا في الجملة لم يخص به المحرم وإنما يذكر في ذلك ما يفترق فيه حكم المحرم من غيره انتهى. ثم قال في التوضيح: وأما كراهة المعصفر فلما في الصحيح من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رآني رسول الله (ص) وعلي ثوبان معصفران فقال: إن هذين من ثياب الكفار فلا تلبسهما، وفي بعض الطرق: ألا كسوتهما بعض أهلك؟ انتهى ونحوه في الطراز وقال فيه: وحمل النهي أن يزعفر الرجل على تلطيخ الجسد على رأي الجاهلية ويعضده ما روي عن أنس أنه قال: نهى عليه الصلاة والسلام أن يزعفر الرجل جلده. وقد روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يصبغ ثيابه كلها والعمامة بالزعفران وهذا بين، فإن ذلك عادة العرب وهو زي مكة إلى اليوم فلم يكن من محض معتاد النساء حتى يكره للرجال انتهى.
قلت: والحديث في النهي عن المعصفر عام في المفدم وغيره وهو ظاهر كلام صاحب الطراز، وعلل ذلك بأن فيه تشبها بالنساء ولقد لعن (ص) من تشبه بالنساء من الرجال فتأمله. وقال المازري في المعلم في كتاب اللباس: إنه أجاز لبس الملاحف المعصفرة للرجال في البيوت وفي أفنية الدور وكره لباسها في المحافل وعند الخروج إلى السوق فكأنه رأى أن التصرف بها بين الملا من لباس الاشتهار فلهذا نهى عنه، وفي الديار ليس فيها اشتهار فأجازه انتهى. ونحوه لابن عبد السلام. ونقل البرزلي في كتاب الجامع عن ابن العربي أنه قال: وأما الأحمر ومنه المعصفر والمزعفر فأجازه مالك والشافعي وأبو حنيفة، وكره بعض العراقيين المزعفر للرجال انتهى. قال ابن عرفة:
وفيها كراهة المعصفر المفدم ولو للمرأة في الاحرام وللرجال في غيره. عياض وغيره: كان محمد بن بشير القاضي يلبس المعصفر ويتحلى بالزينة من كحل وخضاب وسواك. سأل رجل غريب عنه فدل عليه فلما رآه قال: أتسخرون بي أسألكم عن قاضيكم فتدلوني على زامر فزجروه فقال له ابن بشير: تقدم واذكر حجتك فوجد عنده أكثر مما ظنه عاتبه زونان في لباس الخز والمعصفر. فقال: حدثني مالك أن هشام بن عروة فقيه المدينة كان يلبس المعصفر، وأن القاسم بن محمد كان يلبس الخز ثم ترك لبس الخز. قال يحيى بن يحيى: لا يلزم من يعقل ما يعاب عليه انتهى. وزونان اسمه عبد الملك بن الحسن بن محمد بن زريق بن عبد الله بن أبي رافع مولى رسول الله (ص) يسمى أبا مروان ويعرف بزونان وهو من الطبقة الأولى ممن لم ير مالكا من أهل الأندلس من قرطبة. سمع ابن القاسم وأشهب وابن وهب وغيرهم وكان الأغلب عليه الفقه وكان فقيها فاضلا ورعا زاهدا، ولي قضاء طليطلة، وكان يحيى بن يحيى يعجب من كلامه، وتوفي سنة ثنتين وثلاثين ومائتين. قاله ابن فرحون في الديباج المذهب والله أعلم. ص: (وشم