الثاني: وقولنا إذا كان لون صبغه يشبه لون المصبوغ بالطيب احترزنا به عما يكون صباغه لا يشبه لون المصبوغ بالطيب فإنه لا يكره الاحرام فيه ولكنه خلاف الأولى، لأن البياض أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام: البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم فكفنوا فيها موتاكم رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وابن حبان في صحيحه. وذكر صاحب الطراز هذا الحديث بلفظ: خير ثيابكم البيض ألبسوها أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم قال اللخمي: يستحب للمحرم لباس البياض وهو في المصبوغ على ثلاثة أوجه: جائز إذا كان أزرق أو أخضر أو ما أشبه ذلك، وممنوع إذا كان بالورس والزعفران وما أشبه ذلك مما هو طيب فإن فعل افتدى، ويجوز إذا كان معصفرا غير مفدم، وكره المفدم لأنه ينتفض. وقال أشهب: لا فدية فيه ولم يره من الطيب المؤنث انتهى. وكان القسم الثالث من المصبوغ في كلامه هو المصبوغ بالعصفر المفدم فجعله مكروها ولم ير فيه فدية كما تقدم في رواية أشهب عن مالك والله أعلم. وعلى هذا مشى صاحب الطراز فإنه قال: البياض أفضل في صفة الثياب للحديث وذكره ثم قال: والمصبوغ منه مباح ومنه غير مباح. فالمباح ما لا يكون صبغه من ناحية الطيب فهذا يجوز للعامة ويكره لمن يقتدى به أن يلبس من ذلك ما فيه دلسة. والأصل فيه حديث الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا وهو محرم فقال عمر: ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة؟ فقال طلحة: يا أمير المؤمنين إنما هو مدر. فقال عمر: إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس فلو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الاحرام فلا تلبسوا أيها الرهط شيئا من هذه الثياب المصبغة. وأما غير المباح فهو ما صبغ بطيب أو بما هو في معنى الطيب فما صبغ بطيب كان لبسه حراما، وما صبغ بغيره مما هو مشابه للطيب كان مكروها، وذلك يرجع في العادة إلى ثلاثة أصباغ: الزعفران والورس والعصفر. أما الزعفران والورس فاتفقت الأئمة على تحريمه، وأما المعصفر فمنعه مالك وأبو حنيفة إذا كان نافضا وجوزه الشافعي وابن حنبل ولم يروه من الطيب، واختلف أصحابنا في منعه هل هو منع تحريم أو كراهة أعني المفدم المشبع، إذا كان ينتقض على الجسد. قال في المعونة: من أصحابنا من يوجب فيه الفدية، فعلى هذا يكون من محظورات الاحرام. وقال أشهب: لا فدية على من لبسه من رجل أو امرأة وقد أساء، وهذا أظهر لأنه لا يعد طيبا كسائر ألوان الحمرة والصفرة واعتبارا بما لا ينتفض. وأبو حنيفة يراه طيبا
(٢١٥)