واقع التقية عند المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية - ثامر هاشم حبيب العميدي - الصفحة ١٢٠
قال: من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له (1). فليس هذا للمحتج في شئ، إذ مع حمل هذا الأثر على الصحة فإنه لا يدل أكثر من مبايعة الظالمين تقية لا اختيارا، لأن المراد من الطاعة، انما هي طاعة من أمر الله تعالى ورسوله الكريم بطاعتهم، وليس المراد منها طاعة يزيد ومبايعته، حتى وإن أريد بالخلع المذكور في هذا الأثر، هو الخلع بعد البيعة حيث كانت قد أخذت بالإكراه كما هو المعروف في أخذ البيعة ليزيد بن معاوية زمن الحرة، فخلعه إذا لا تبعة فيه، ولا حنث يمين، لان البيعة كانت تقية بضغط الإكراه، وليس على مكره يمين.
فها هم أهل المدينة أنفسهم قد نقموا على أبي جعفر المنصور (ت / 158 ه‍) ظلمه وطغيانه، وخلعوا أيديهم من طاعته بعد بيعتهم له، وخرجوا مع محمد النفس الزكية (ت / 145 ه‍) وفيهم كبار التابعين بعد أن أفتاهم مالك بن انس (ت / 179 ه‍) بان بيعتهم له إنما كانت تقية بضغط الإكراه عليها، وليس على مكره يمين (2).
ولم يقل أحد بالأمس ولا اليوم من فقهاء المسلمين قاطبة: أن أهل المدينة بخلعهم المنصور ومبايعة النفس الزكية سيلقون الله يوم القيامة لا حجة لهم.
ومن هنا يفهم أن حمل ما رواه ابن عمر عن رسول الله (ص) لا يمكن شرعا وعقلا ان يحمل - مع القول بصحته - على غير المعنى المتقدم، وإلا فلا يخلو هذا الأثر من اتهام عظيم لسائر صلحاء هذه الأمة، وأبرارها ممن خلعوا يدا عن طاعة الظالمين، واشتروا أنفسهم ابتغاء مرضاته تعالى.

(١) صحيح مسلم ٦: ٢٠ - ٢٢، باب الأمر بلزوم الجماعة.
(٢) تاريخ الطبري ٤: ٤٢٧ - في حوادث سنة / 145 ه‍.
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»