ثم إن الابتداء يستدعي أن يكون هناك أمر ذو امتداد يبتدئ من شيء، نحو: سرت من البصرة، فإن السير ذو امتداد، وأما نحو: خرجت من الدار، مع أن الخروج ليس له امتداد فلأنه أصل السير الممتد، وربما يراد به السير.
ثم إن مجيئها لابتداء الغاية في المكان مما لا خلاف فيه.
وأما في الزمان، فجوزه الكوفيون تمسكا بقوله تعالى: ﴿نودي للصلاة من يوم الجمعة﴾ (١) وقوله تعالى: ﴿لمسجد أسس على التقوى من أول يوم﴾ (٢).
وبقوله:
لمن الديار بقنة الحجر * أقوين من حجج ومن شهر (٣) و منعه البصريون وأجابوا عن الشواهد بأن من الظاهر أن «من» فيها ليست للابتداء، إذ ليس النداء والتأسيس حدثين ممتدين ولا أصلين لممتد والأقواء لم يبتدئ من الحجج، بل الظاهر أنها في الكل بمعنى «في» أو في الآيتين بمعنى «في» وفي الأخير بمعنى التعليل ولكن الظاهر مذهب الكوفيين، إذ لا امتناع في نحو: نمت من أول الليل، ومثله كثير في الكلام.
وليعلم أنه قد لا يكون المجرور ب «من» مكانا ولا زمانا ولكن ينزل منزلة أحدهما.
ومن معانيها: التعليل نحو: ﴿مما خطيئاتهم أغرقوا﴾ (٤)، ﴿يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق﴾ (5) وهو المناسب هيهنا.