ديوان السيد حيدر الحلي - السيد حيدر الحلي - ج ٢ - الصفحة ٧٥
4 - وقال وقد كتب بها إليه جوابا على كتاب أرسله أيضا:
في فمي لم يزل لذكرك نشر * طيب واختبر بذاك النسيما وبمرآة فكرتي لم يزل شخصك * نصب العينين مني مقيما وعلى النحر من علاك ثنائي * ليس ينفك عقده منظوما لا تظن البعاد يحجب عني * منك ذيالك المحيا الكريما أنت عندي بالذكر أحضر من قلبي * بقلبي فكن بذاك عليما لست أقوى لحمل عتبك يا من * حملت فخره المعالي قديما فاثن عن غرب عتبك اليوم عني * فيه قد تركت قلبي كليما إني ومن جعلك ريحانة الأديب، وسلوة الغريب، لم استوجب منك هذا العتاب، ولم استجلب بمساءة كل هذا الخطاب، فهبني أسأت فأين العفو والكرم، ولعمري لقد تجرمت علي ولا جرم، إني اعتذر الان فأقول: إن هبت من ذلك الجناب نسمات القبول، ما حلت أزرار جيبها الصبا، ولا فتحت أكمام النور على الربى، عن أطيب من تسليمات كأنما تحدثت بها أرواح النسيم فعطرت أنفاسها، وعن أبهى من تحيات كأنما باهت بها الرواة أنواع الربيع فغطت خجلا بالأكمام رأسها، ولا ملاطفة غادة كعاب، لم تعرف إلا العطر والخضاب، بأوقع في النفس، واشغل للحواس الخمس، من بديع بيان، كله قطع جنان، يجلو بواضح الاعتذار ظلمة العتب، ويمحو بصادق التنصل كاذب الذنب، من محب صدع التقريع منه الأحشاء، وأرمضت قلبه هواجس الاستجفاء، إلى من حنوت عليه ولا حنو المرضعات على الغرام، وغذوت له الحب ولا غذاء الاباء طرائف الهيام، حتى شب وليد شوقي إليه على الشغف، ونشأ طفل ولعي به في حجر الصبابة والكلف، حتى سكنت نفسي إلى هواه، سكون الجفن الساهر إلى كراه، وعقدت خنصر التعويل عليه، حين توسمت عنوان النهى بين عينيه، وسبرت في مباديه، وتفرست في معانيه، لاعلم أين يكون موقعه من فخر أبيه، فرأيت الخير كله فيه بعد أخيه، حيث أنبأتني شمائله، وبشرتني مخائله، أنه سيكون إنسان تلك المقلة، وطراز تلك الحلة، ولا عجب، والامر ليس بمستغرب، ممن ترشحه معالي هممه، وتؤهله محاسن أخلاقه وكرائم شيمة، لمعارف أبيه وعوارف كرمه، أن يتشح ببردة فخره، ويتوشح بمناقبه بين أبناء دهره، ولعمري لئن حكت أخلاقه خلائقه، ووصفت مخاثله بوارقه، ففي الشبل من ابن الغيل شمائل، وعلى ابن ذكاء من الغزالة دلائل، والفئ ناشي من الظل، والفرع مبني على الأصل، وذكاء النبت بقدر ذكاء تربه، والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، وهذه الصلصالة من ذلك الطين، وهذه السلسالة من ذلك الماء المعين، قد استهل معه سعده، حين ولد مجده:
عف السريرة طاهر * الأبراد معصوم البصيرة يقتدي به مشايخ الحزم في عنفوان شبيبته، وتعرف الإصابة كلما رمت عن قسي رويته، زاده الله عليهم في الحزم بسطة، وجعل له في الكرم أنامل سبطه، قد مشى في ديار التجارب فجاس خلالها، وقاس بفتره أشبار الكرماء فطالها، يضرب بعرقي نسبه، ويمت بطرفي حسبه، إلى أبوين لا يجاريان شرفا، أب مرتضى وأب مصطفى، قد صعد الذروة من هاشم، واقتعد الصهوة من مجد قبيلة المكارم، فهو من أهل - قل لا أسألكم عليه أجرا -، ومن أسرة جعلوا الانفاق لوجه الله ذخيرة وذخرا، ليس على (الزوراء) وباهر نداها، أسرة للشرف الواضح سواها، بل ولا على فقارة جميع ظهر الأرض، عترة غيرها للكرم المحض، قبيلة صورها الله من طينة المعروف والاحسان، وحدرها من صلب الشرف الأقدم على اولي الزمان، وأقرها في أرحام النجابة، وأولدها في رباع السماحة والمثابة، ولفعها بأبهى مطارف الحمد، ورباها في حجر السؤدد والمجد، وأرضعها لبان العلياء، وفطمها إلا عن رضاع الحمد والثناء، وجعل بها سماحة البحر الذي لا يخاض في عبابه، وأبرزها بهيبة الهزبر الذي لا يواجه في غابه، وكفى طيب أصلها ابانه، ان في حدائق أحسابها ذلك الحبيب أطيب ريحانه، أعني به جوهرة الزمن، وغرة وجهه (الحسن)، أنمى الله غصن شبيبته على الفضائل، وشد أزر المعروف من عطائه بواصل، وأرسى قواعد مجده على إلابد تخليدا، وورد بمكانه من حسان الآداب خدودها توريدا، وأقر نواظرنا وناظره، بشفاء أبيه الذي عقد على الكرم مآزره، مولى أهل الفضل من بوارقه، وزهرة من حدائقه، وأهل البذل قطرة من أمطاره، وغرفة من بحاره:
فله أياد لا تزال * سماؤها كرما مخيله ونقيبة ما غيرت * في الجود عادتها الجميلة ويد كضرع الغيث * يمخضها الرجا مخض الثميلة أما بعد: فحين وصلت إلي عقيلة فكرك، وجميلة نظامك ونثرك، طرحت عنها الإزار، وحللت من غلالتها الأزرار، ثم قبلت منها فتاتا تزري بفتات المسك بخلوقها، وبابنة العنقود في راووقها، فشفت بعذب كلامها غلة صدري، ونفثت بسحر بيانها في عقد صبري، قد نشرت لدي حديث واصل، ثم بسطت علي لسان عاذل، فأباتني تأنيبها مبيت نابغي، وقلبني توبيخها في مضجع ابن هاني المغربي، بل كلما ضرب الليل على الأفق رواقه، وعقد على الشفق أزراره ونطاقه، أمسي وهمومي القارعة، وأفلاذ كبدي الواقعة، وفاتحة الرعد سائغ ريقي، وخاتمة الاعلى في شرايين أوردتي ووشائج عروقي، وآراثي في الشعراء، وأحشائي ما جعله الخليل في وسط الأنبياء، تقريبا بلا استثناء، وكلما فلق الصبح بعموده هامة الغسق، وشهر خاضبا من وريد الظلام سيفه الشفق، أصبح ولسان حالي، يترجم عن لسان مقالي، إذا رأيت قوما، إني نذرت للرحمن صوما، فواعجباه والدهر سلك عجائب، والأيام مثرية من الغرائب، كيف ينصرف إلي وهم، أو يتصور في خيال

837 تقدمت في باب المدائح.
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 75 76 77 78 79 ... » »»