ديوان السيد حيدر الحلي - السيد حيدر الحلي - ج ٢ - الصفحة ٧٧
سلام فتقت نور زهره صبا الحب، وأعربت أنفاس نشره عن طي سريرة الصب، ورقت ألفاظه حتى سرق النسيم طبعه من رقتها، ونفحت بريا الاخلاص فقراته حتى استعار العبير المحض طيبه من نفحتها، وما هي فقرات في الطروس قد وسمت، بل روح محب أذابها الشوق، وفي قالب الألفاظ تجسمت، فلو نشق أرواح عرفها من غشيته سكرات الموت لصحا، ولو سرح النظر في لؤلؤ ألفاظها ذو الطبع السليم لسحرت عقله وماس منها مرحا، فحقيق أن أوشح خصور عرائسها الأنيقة، بدر من ألفاظي التي تحتوي من المعاني على نفائسها، الدقيقة:
عرائس لفظ حكى مسكها * على الطرس أنفاس ريح الصبا رقاق كرقة قلب المحب * وخد الحبيب بعصر الصبا حكت في العذوبة أخلاق من * لها أهديت وإليها صبا من محب قطع قلبه الشوق الملح، وترح به الغرام المبرح، وحال من البعاد بينه وبين حبيبه، ما أوقد في أحشائه سعير وجد إذا انحنت عليه أضلاعه تجافت من لهيبه، وغودر جنباه من تلهب أنفاسه الحرار، يرسل عليها شواظ من نار، وكاد في تصاعد حريق زفرته، يضرم الهوى نارا في كرته، وحشدت جحافل الغرام في منحنى ضلوعه، وانتجعت سفح عقيق دموعه، فهي تستدر عينه دموعها في كل آن، فتنبعث كأنهن الياقوت والمرجان، وأوطنت الصبابة في غوير لبه، وقوض السلو عن غضي قلبه، وحال من مترادفات الأشجان، بينها برزخ لا يبغيان، وأوشك الفراق أن ينسف طود حلمه بريح عقيم، ما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم، فلا يتناهي في تحرير نعت شوقه الكلام، ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام، إلى من حلقت به قدامي شرفه، فقصر كل محلق عن شأو علاه التي أحرزها عن سلفه، وتسنم غارب كل فخر، ووطأ بأخمصه رقاب الأنجم الزهر، وناصى برفيع مجده أعنان العلاء، ورقي ذروتها بسلم شرفه المطل على الجوزاء، ولطفت شمائله، ولم يوجد في الكرم من يساجله، وغذي بلبان العلياء إلى أن بحجرها نشأ، وارتشف مدامة حبها إلى أن نشأ، وطابت منه الخليقة، فكانت مما قلت فيها خليقة:
يا طيب أخلاق كريم روي * السامع منها ما روى المبصر بأنها أطيب من روضة * طينتها مازجها العنبر لو مزج الماء بها شارب * ما شك فيه أنه الكوثر ندب له في حلبات العلى * دون الأنام الورد والمصدر كأن من يأوي إلى بشره * من وحشة في روضة يحبر معارج العلياء مرصودة * ليس عليها غيره يظهر الفصيح الذي عقدت عليه الفصاحة حبك نطاقها، والبليغ الذي مدت فوقه البلاغة رفيع رواقها، والماجد الذي سمح الدهر بجوده، فدل على نفي بخل الدهر واثبات وجوده، وأحيا به روضة الأدب بعدما ذوت، وأجد به ربوع الفضل بعدما عفت، ورفع به سماء المجد بعد هبوطها، وأقام به أعمدة السؤدد بعد سقوطها، وأقر عيون السماح منه بإنسانها، ووصل يمين المعروف منه ببنانها، ونشر به جميع ما طوى من المحاسن العجيبة، وأظهر فيه ما أخفي من بدايع الكمالات الغريبة، فهو من أهل زمانه بمنزلة الروح من الجسد، والواسطة من العقد المنضد، فأكرم به من ماجد بهيج تعشو من ضوء صباح محياه نواظر الراثين إذا ملأت من نوره البصر، وأعجب به من فطن تعشو في ظلام الاشكال إلى مصباح ذكاه بصائر ذي النظر، الصفي الذي أخلصته نفسي من جميع ما ضمه الفضا، (الحاج محمد الرضا). لا زالت شمس إقباله طالعة في أعلى بروج المراتب، وكوكب سعده ثاقبا في سماء شرفه التي يتمنى أن يحل فيها سعد الكواكب، ولا برح طائر اليمن له مزجورا، وروض مسرته غضا مونقا نضيرا، بمحمد وآله المبرئين من الزلل، وصحبه الذين ما لهم في التقى من مثل.
أما بعد: فإني لم أزل للغرام فيك نديما، وعلى الصبابة حيثما رحلت مقيما، تذهب بي الأشواق كل مذهب، وطرف عيني لم يزل في آفاق السماء مقلب، فكان عيني قد جنت عن أغضائها، وكلت بعد النجوم وإحصائها:
أنا أحصى النجوم فيك ولكن * لذنوب الزمان ليس بمحصى غير أني كلما ألح على قلبي الجوى فأضناه، روحته بذكراك فتنتعش بعد الضعف قواه، وبينما أعلل نفسي بذكر الوصال، وهي من شدة الشوق تتمثل بقول من قال:
ولم أر مثلي قطع الشوق قلبه * على أنه يحكي قساوته الصخر إذ وردت منك إلي رسالة بديعة الكلام، حسنة النسيج والانسجام، قد افتتحت بزهر السلام روضة كلماتها، وختمت بمسك الثناء عقود فقراتها، فنشقت منها نسيم المودة حين نشرت لدي، واقتطفت منها نور المحبة حين قرئت علي، وهزني إليها الطرب، وملكني منها العجب، ولما استوقفت النظر فيها، وأجلت الفكر في ألفاظها ومعانيها، سكرت من ألفاظها ولا جام، بمدامة معانيها ولا مدام، فحينئذ ثنيت عطف ذي نشوة، وذبت بها صبابة وصبوة، لكني كلما فوقت سهام فكري لم أصب الغرض في تفويقها، حين غلب علي الشك في تحقيقها، أهي السلافة مزجت بالغيث الذي انسجم وانسكب، أم (المستظرف) من أرواح الكتب، أو زفت إلي دمية القصر، أو يتيمة الدهر، وجليت لي بين أنوار الربيع في المعاهد، حالية بدر القلائد، وغرر الفوائد، فيا لها عرائس فكر أغرب مبتكرها وأبدع، ولا لي ألفاظ أحسن ناثرها حين جانس بينها وسجع، وجمع فيها فصاحة الألفاظ وبلاغة المعاني فسحر الألباب بيانها، وألف بين الايجاز والاطناب فبهر العقول تلخيصها وتبيانها، ووالى في سلك الطروس بين فرائد منظومها ومنثورها، وقابل بين التدبيج والتطريز في وشي رياض سطورها، قد ابتدأت برفع خبر الشوق عند الخليل، وأنهت إليه الجزم في تمييزه فيما بنيت عليه من مضمر الحب وظاهر المدح الجليل، وأنبأت فيما أكدت من الشوق أن لا بدل من الصب عند صبه، وأن لا عوض عنه فيما نعتت من اشتغال قلب الحبيب بمحبه، وان هوى الخليل مقصور على خليله في كل أحواله، بالإضافة إلى الاستثناء في حذف عذاله، وصرحت عن إلغاء مقالة الحساد، واثبات ما راموا نفيه من المحبة والوداد، فطفقت أكسوها من استبرق المدائح بردا أحكم فكري نسجه، وأحليها بعقود الثناء وإن لم تزد حسنها بهاء وبهجة:
أطرسك أم خد عذراء بكر * وذا در لفظك أم لفظ در سحر غداة فضضت الختام * عنه كأن لفظه نفث سحر وشككني حسن تنميقه * أوشي بنانك أم وشي زهر فناهيك بها مبلغة أو غرت فأوجزت، ومفصحة بما فيه لكل منطيق أعجزت، قد حملت جزيل الحمد من مبادر لشكره، إلى من تقدم إليه بمدح مجده وتنويه قدره، فلله أبوك وأنت، أتشكرني على مديح به إلى نفسي أحسنت، لان النفس منا ومنكم في الحقيقة واحدة، وإن كانت الأجساد متعددة متباعدة، على أنكم في غنى عن جميع المدايح، بما أحرزتم من المكارم والشرف الواضح، وبنشر فخركم طبق مجدكم سائر الارجاء، لا بما نشرت لكم من الثناء ألسن الشعراء، غير أني كلما فكرت في نفسي، لم أجد إلا المحبة الخالصة، دعتك إلى شكر مدائحي التي هي بالنسبة إلى كمال شرفكم متناقصة، فنسأل الله سبحانه وتعالى: أن يجعل عزكم ملازما للدوام ما بقي الدهر، ويصل بالبقاء ما خلع عليكم من مطارف الوقار والفخر، إنه على كل شئ قدير، وبالإجابة.
* * * 7 - هذه صورة ما كتبه حول قصيدة المرحوم عمه السيد مهدي السيد داود:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على أشرف أنبيائه محمد وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد: فيقول الراجي عفو ربه الغني (حيدر بن سليمان الحسيني) إني لما جارى عمنا وسيدنا السيد مهدي السيد صالح القزويني (839) في قصيدة مدح إنسان عين الزمان، وواحد الابدال والأعيان، من حط عن أدنى مراقي علاه الفرقدان، وأشرق في سماء فخره المشرقان، زعيم الفضلاء الجحاجح، الحاج محمد صالح (كبه).

839 مر ذكره في باب المدائح.
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»