الرسائل.. (مدح، رثاء، عتاب) الرسائل.. (مدح، رثاء، عتاب) 1 - قال مقرظا كتاب (الرحلة المكية) للحاج محمد حسن كبه:
أيها الرائد خميلة الآداب، الماخض ثميلة الأفكار والألباب، إمعن سير رواحل فكرك، في شعاب هذه الرحلة، وذق بذوقك السليم في استعذاب هذه النحلة، واعرف كيف يجتنى الورد، وبأي عين يراد، وكيف يجتنى الشهد، ومن أين يشتار ويستجاد. فلقد بهرني هذا الكامل، الذي ما كشفت عن مثله ذيولها الحواضن من العقائل، ولا علقت بمثله من النطف الغر أرحام الحوامل، ولا اتفقت ألسنة المدح إلا على فضله، ولا قلب الدهر أجفان حائر قبل هذا في مثله. فابعث رائد نظرك في نجمع شمائله، ولمع مخائله، وقلب أجفان التوسم، والحظ كيف جمع بين التبذخ في معاليه، وبين التواضع في شرف التكرم، وتصفحه بعين الفراسة، وتعجب من ماجد كملت في شرخ شبابه فيه معاني السؤدد والرياسة، فأصبح كعبة الفتوة، ومروة الاحسان والمروة، تتعرف للناس عرفات جوده ونداه، فما دعا طائف الرجاء به إلا ولباه، فكل أيامه ولياليه نحر وتشريق، وكل آناته مباهلة بالجود وتصديق، قد جمع في حجه بين مشعر الحرم، ومشعر الجود والكرم، في رحلة شرف راقت منه بأميرها، ونحلة ظرف شاقت منه بابن أثيرها، تارة تجده ابن مفازة، وتارة ملكا جعل إلى العليا على النجوم مجازه، يتنقل في تلك الأودية، وتخفق عليه تلك الرايات والألوية، في فلوات مجاهل عمية الايضاح، خرساء صدى الصحاري والبطاح، يتلون خريتها تلون آلها، ويمور من الهجير مور أنقائها، أوقب صلالها، وتارة يصف لك تلك المنازل، وما حوت رياضها من المها الخواذل، والجواري المطافل، فيدعك آنسا بتلك الخمائل، كأنك بينها نازل، وينعت لك شقائق ورد كأنه أبو قابوسها، ويأخذ في نشر حديث أزهارها كأنه وشي حلية طاووسها، ويحدث عن مناهل كان ابن فراتها، وعن صواهل كما قيل: كأنما نتجت تحته قياما، أو كأنه ولد على صهواتها، وعن إبل ما أعجب ما وصف به رواحلها، كأنه لا سواه نتج قادحها وبازلها، ثم يذكر في أثناء ذلك مساءه وصباحه، وغدوه ورواحه، وعشيه وأبكاره، وأصيله وأسحاره، بمنطق عذب، وكلام أرق من خد المحبوب وحشاشة الصب، ويتنقل في خلال ذلك في وصف طلوع الشمس وغروبها، وبزوغ الكواكب ومغيبها، ويتشوق إلى أحبته، وأهل مودته، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه أبيات تلك الرحلة. وكلمات هذه النحلة، في نظم كالذهب الابريز، أخلصه السبك، أو كاللؤلؤ الرطب، تتوالى فرائده في أحسن سلك، وحيث راقني بها الاعجاب، وأخذك مني ما تأخذه محاسن بارعة الجمال من القلوب والألباب، قرضت كعابها، وقرطت من أبياته أترابها، فحليتها بهذا الوقف، وشنفتها بهذا الرعاث والشنف، وذلك قولي فيها، وفي منشئ معانيها:
طرح الدهر في حمى المجد رحله * عند مولى يميره اليوم كله (833) أقول ولعمري أين يقع هذا التقريض، من مدحه على هذا النظم، الذي عادت به حياة القريض، وإني لأحمد الله على ما أولانا من عظيم المنن، إذ رفع يتم الشعر في هذا الزمن، بخلف آبائه الحسن، وحقيق أن أقول فيه، وإن لم أوفه من المدح حق معانيه (834):
ما حلية الدنيا سوى أمجادها * يزهر في بهائم نديها واليوم قد زينت ومن محمد * لا من سواه حسن حليها قد نسج الفخر له مطارفا * مطرز بصنعه بهيها