وقد تكلف بعض المتأخرين نصب الماء في القول الذي ذهب إليه أبو علي وذلك على إضمار فاعل ارتوى قياسا على ما حكاه سيبويه من قولهم: إذا كان غدا فأتني أي: إذا كان ما نحن فيه من الرخاء أو البلاء غدا. فقدر ما ارتوى الناس الماء.
وأنشد على هذا قول الشاعر:
* إذا كان لا يرضيك حتى تردني * إلى قطري ما إخالك راضيا * أراد: إن كان لا يرضيك شأني أو ما أنا عليه فأضمر ذلك للعلم به. وأقول: إن الإضمار فيما) حكاه سيبويه حسن لأنه معلوم. وتقدير إضمار الناس في قوله: ما ارتوى الماء بعيد. انتهى.
ولا يخفى أن هذا القول تعسف من وجهين: أحدهما: حذف الفاعل من غير الصور المعدودة.
وثانيهما: حذف الباء وحرف الجر لا يحذف إلا سماعا.
ثم قال ابن الشجري: وغير أبي علي ومن اعتمد على قوله رووا نصب الماء ولم يرووا فيه وأبو طالب العبدي منهم وذلك أنه ذكر لفظ أبي علي في تعريب البيت ثم قال: وأنا مطالب بفاعل ارتوى. ثم مثل قوله ما ارتوى الماء مرتوي بقوله: ما شرب أي: أبدا. فدل كلامه على أنه لم يعرف المعنى الذي ذهب إليه أبو علي من نصب مرتوي على أنه خبر كان أو رفعه على أنه خبر ليت.
والقول عندي فيه أن الالتزام بالظاهر على ما ذهب إليه العبدي أشبه بمذاهب العرب فيما يريدون به التأييد كقولهم: لا أفعل كذا ما طار طائر ولا أكلمك ما سمر سامر.