وقومي فاعله يقال: بعد يبعد من باب فرح إذا هلك. وإما الذي هو ضد القرب فهو بعد يبعد بضم العين فيهما ومصدره البعد وقد يستعمل في الهلاك أيضا لتداخل معنييهما كقوله تعالى: ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود.
قال اللخمي في شرح أبيات الجمل: واسم الفاعل منهما جميعا بعيد استويا فيه كما استويا في المصدر تقول بعد وبعد بعدا وبعدا.
وقال ابن السيد في شرح أبيات الجمل: فإن قيل: كيف دعت لقومها بأن لا يهلكوا وهم قد هلكوا فالجواب أن العرب قد جرت عادتهم باستعمال هذه اللفظة في الدعاء للميت ولهم في ذلك غرضان: أحدهما: أنهم يريدون به استعظام موت الرجل الجليل وكأنهم لا يصدقون بموته. وقد بين هذا المعنى النابغة الذبياني بقوله: الطويل * يقولون حصن ثم تأبى نفوسهم * وكيف بحصن والجبال جنوح * * ولم تلفظ الموتى القبور ولم تزل * نجوم السماء والأديم صحيح * يريد أنهم يقولون: مات حصن ثم يستعظمون أن ينطقوا بذلك ويقولون: كيف يجوز أن يموت والجبال لم تنسف والنجوم لم تنكدر والقبور لم تخرج موتاها وجرم العالم صحيح لم يحدث فيه حادث.
والغرض الثاني أنهم يريدون الدعاء له بأن يبقى ذكره ولا يذهب لأن بقاء ذكر الإنسان بعد موته بمنزلة حياته. ألا ترى إلى قول الشاعر: الطويل * فأثنوا علينا لا أبا لأبيكم * بأفعالنا إن الثناء هو الخلد *