أبو جعفر وزير بهاء الدولة مأمورا بالاختلاف إليه وحفظ المنازل والمناهل من مصر إلى الكوفة وتعرفها منه فقال: كنت حاضره وقام ابنه يلتمس أجرة الغسال فأحد المتنبي إليه النظر بتحديق فقال: ما للصعلوك والغسال يحتاج الصعلوك إلى أن يعمل بيديه ثلاثة أشياء: يطبخ قدره وينعل فرسه ويغسل ثيابه ثم ملأ يده قطيعات بلغت درهمين أو ثلاثة.
وورد كتاب أبي الفتح ذي الكفايتين بن أبي الفضل وكان من أجاود زمان الديلم فرق في يوم واحد بشبديز قرميسين ألفين وخمسمائة قطعة إبريسم ومضمونه كتاب الشوق إلى لقاء المتنبي وتشوفه إلى نظرته.
فأجابه المتنبي:
* إذا سمع الناس ألفاظه * خلقن له في القلوب الحسد * * فقلت وقد فرس الناظرين * كذا يفعل الأسد ابن الأسد * فلما عاد الجواب إلى أبي الفتح جعل الأبيات سورة يدرسها ويحكم للمتنبي بالفضل على أهل زمانه.. فقال أبو محمد بن أبي الثبات البغدادي:
* لوارد شعر كذوب البرد * أتانا به خاطر قد جمد * * فأقبل بمضغه بعضنا * وهم السنانير أكل الغدد * * وقالوا: جواد يفوق الجياد * ويسبق من عفوه المقتصد * * ولو ولي النقد أمثاله * لظلت خفافيشنا تنتقد *) فاستخف أبو الفتح به وجره برجله. ففارقهم وهاجر إلى أذربيجان والأمير أبو سالم ديسم بن شادكويه على الإمرة فاتصل به وحظي عنده على غاية الإكرام. وقال عضد الدولة: إن المتنبي كان جيد شعره بالعرب. فأخبر المتنبي به فقال: الشعر على قدر البقاع.