ثم عاوده اليوم الثاني وانتظر المهلبي إنشاده فلم يفعل وإنما صده ما سمعه من تماديه في السخف واستهتاره بالهزل واستيلاء أهل الخلاعة والسخافة عليه وكان المتنبي مر النفس صعب الشكيمة حادا مجدا فخرج فلما كان اليوم الثالث أغروا به ابن الحجاج حتى علق لجام * يا شيخ أهل العلم فينا ومن * يلزم أهل العلم توقيره * فصبر عليه المتنبي ساكنا ساكتا إلى أن نجزها ثم خلى عنان دابته وانصرف المتنبي إلى منزله وقد تيقن استقرار أبي الفضل بن العميد بأرجان وانتظاره له فاستعد للمسير.
وحدثنا أبو الفتح عثمان بن جني عن علي بن حمزة البصري قال: كنت مع المتنبي لما ورد أرجان فلما أشرف عليها وجدها ضيقة البقعة والدور والمساكن فضرب بيده على صدره وقال: تركت ملوك الأرض وهم يتعبدون بي وقصدت رب هذه المدرة فما يكون منه ثم وقف بظاهر المدينة أرسل غلاما على راحلته إلى ابن العميد فدخل عليه وقال: مولاي أبو الطيب المتنبي خارج البلد وكان وقت القيلولة وهو مضطجع في دسته فثار من مضجعه واستثبته ثم أمر حاجبه باستقباله فركب واستركب من لقيه في الطريق ففصل عن البلد بجمع كثير. فتلقوه وقضوا حقه وأدخلوه البلد. فدخل على أبي الفضل فقام له من الدست قياما مستويا وطرح له كرسي عليه مخدة ديباج وقال أبو الفضل: كنت مشتاقا إليك يا أبا الطيب.
ثم أفاض المتنبي في حديث سفره وأن غلاما له احتمل سيفا وشذ عنه. وأخرج من كمه عقيب هذه المفاوضة درجا فيه قصيدته: باد هواك صبرت أم لم تصبرا