وكان سيف الدولة لا يملك نفسه وكان يأتيه علوي من بعض جبال خراسان كل سنة فيعطيه رسما له جاريا على التأييد فأتاه وهو في بعض الثغور فقال للخازن: أطلق له ما في الخزانة فبلغ أربعين ألف دينار. فشاطر الخازن وقبض عشرين ألف دينار إشفاقا من خلل يقع على عسكره في الحرب.
وأخبرني بعض أهل الأدب أنه تعرض سائل لسيف الدولة وهو راكب فأنشده في طريقه:
* أنت علي وهذه حلب * قد فني الزاد وانتهى الطلب * فأطلق له ألف دينار.
وتعرض سائل لأبي علي بن الياس وهو في موكبه فأمر له بخمسمائة دينار فجاءه الخازن) بالدواة والبياض. فوقع بألفي دينار. فلما أبصره الخازن راجعه فيها. فقال أبو علي: الكلام ريح والخط شهادة ولا يجوز أن يشهد علي بدون هذا.
ثم إن أبا الطيب المتنبي لما ودع أبا الفضل بن العميد ورد كتاب عضد الدولة يستدعيه فعرفه ابن العميد فقال المتنبي: ما لي وللديلم فقال أبو الفضل: عضد الدولة أفضل مني ويصلك بأضعاف ما وصلتك به. فأجاب بأني ملقى من هؤلاء الملوك: أقصد الواحد بعد الواحد وأملكهم شيئا يبقى ببقاء النيربين ويعطوني عرضا فانيا ولي ضجرات واختيارات فيعوقونني عن مرادي فأحتاج إلى مفارقتهم على أقبح الوجوه فكاتب ابن العميد عضد الدولة بهذا الحديث.
فورد الجواب بأنه مملك مراده في المقام والظعن. فسار المتنبي من أرجان فلما كان على أربعة فراسخ من شيراز استقبله عضد الدولة بأبي عمر الصباغ أخي أبي محمد الأبهري صاحب كتاب حدائق الآداب. فلما تلاقيا وتسايرا استنشده. فقال: المتنبي: الناس يتناشدون فاسمعه.
فأخبر أبو عمر أنه رسم له ذلك عن المجلس العالي. فبدأ بقصيدته التي فارق مصر بها:
* ألا كل ماشية الخيزلي * فدى كل ماشية الهيدبى * ثم دخل البلد فأنزل دارا مفروشة ورجع أبو عمر الصباغ إلى عضد الدولة فأخبره بما جرى * فلما أنخنا ركزنا الرما * ح حول مكارمنا والعلا *