الشفاء الروحي - عبد اللطيف البغدادي - الصفحة ٨١
ذلك لأن العلم لا يلزم الهدى، ولا الضلال يلازم الهدى، بل الذي يلازم الهدى هو العلم مع التزام العالم بمقتضى علمه فيتعقبه حينئذ الاهتداء وأما إذا لم يلتزم العالم بمقتضى علمه لإتباعه الهوى فلا موجب حينئذ لإهتدائه بل هو الضلال وإن كان معه علم.
فالمتبع لهوى نفسه دون اتباعه لربه مع علمه بتقديم اتباع ربه يكون مستحقا بأن يضله الله ولا يهديه، أما كيف يضله الله فهذا يكون من جهة بان يجعل هذا الإنسان يرى المحاسن، في العقل والشرع - قبائح والقبائح - محاسن والفضائل فيهما رذائل والرذائل فيهما فضائل، ويرى ما هو نافع له مضرا وما هو مضر له نافعا، كل ذلك بسبب إعراضه عن عبادة ربه. قال تعالى: (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون ([النمل / 5].
ومن جهة أخرى يضله الله بأن يكله إلى نفسه وشيطانه فيحسن له الشيطان كل قبيح ويقبح له كل حسن ويعده ويمنيه على مستقبله كذبا وزورا.
قال أمير المؤمنين (ع) في بعض خطبه: الشيطان موكل به يزهي له المعصية ليرتكبها ويبغض له الطاعة ليجتنبها ويمنيه التوبة ليسوفها.
وإلى هذا المعنى يشير القرآن المجيد في العديد من آياته منها قوله تعالى: (تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم ([النحل / 64]، ولذلك يستحق هذا الإنسان المنحرف أن يطمس الله ويختم على منافذ النور منه من سمعه وقلبه ويجعل على بصره غشاوة ليبقى متخبطا في متاهات الضلال لأنه
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»